اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 157
عند الناس، وهذا ما حفز ابن عربي إلى شرح ديوانه (تراجم الأشواق) ، ليظهر الأسرار الإلهية التي أودعها غزله، حتى لا يساء فهمه، أو كما قال: «وشرحت ما نظمته بمكة المشرفة من الأبيات الغزلية في حال اعتماري في رجب وشعبان ورمضان، أشير بها إلى معارف ربانية وأنوار إلهية وأسرار روحانية وعلوم عقلية وتنبيهات شرعية، وجعلت العبارة عن ذلك بلسان الغزل والتشبيب لتعشق النفوس بهذه العبارات، فتتوفر الدواعي على الإصغاء إليها» [1] .
فابن عربي يرى أن استخدام الغزل في حمل أفكار المتصوفة ومشاعرهم، هو فقط لجلب انتباه الناس، وحثهم على مطالعته، لأن الغزل يستميل القلوب، وهذه هي الحجة التي سوغ فيها النقاد القدامى وجود الغزل في مقدمات قصائد المديح، وقد فعل ابن عربي ما وعد به، فأورد قصائده الغزلية، ثم شرحها شرحا مغايرا لظاهر ألفاظها، فحوّل معانيها من الغزل إلى التصوف على نحو لم يعهد من قبل، فكانت قصائده ذات عالمين، عالم غزلي ظاهري، وعالم صوفي باطني، وقد أوضح هذا الأمر بقصيدة قال فيها:
كلّما أذكره من طلل ... أو ربوع أو مغان كلّما
وكذا إن قلت أنجد لي ... قدر في شعرنا أو أتهما
وكذا السّحب إن قلت بكت ... وكذا الدّهر إذا ما ابتسما
أو أنادي بحداة يمّموا ... بانة الحاجر أو ورق الحمى
أو بدور في خدور أفلت ... أو شموس أو نبات أنجما
أو بروق أو رعود أو نقا ... أو جبال أو تلال أو رما [1] ابن عربي: ترجمان الأشواق ص 10.
اسم الکتاب : المدائح النبوية حتى نهاية العصر الملوكي المؤلف : محمود سالم محمد الجزء : 1 صفحة : 157