تعداها جملة فقد تعدى سبيل السلف رحمهم الله، ومن تعدى سبيلهم عامداً ضل، ومن تعداه مجتهداً زل. فأول العلم حفظ كتاب الله جل وعز وتفهمه، وكل ما يعين على فهمه فواجب طلبه معه، ولا أقول: إن حفظه كله فرض، ولكن أقول: إن ذلك واجب لازم على من أحب أن يكون عالماً ليس من باب الفرض " [1] .
وقال الخطيب البغدادي رحمه الله تعالى: " وينبغي له أن يثبت في الأخذ ولا يكثر، بل يأخذ قليلاً قليلاً حسب مايحتمله حفظه ويقرب من فهمه، فإن الله تعالى يقول: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا} (الفرقان ـ 32) [2] .
وقال أيضاً: " اعلم أن القلب جارحة من الجوارح تحتمل أشياء وتعجز عن أشياء، كالجسم الذي يحتمل بعض الناس أن يحمل مائتي رطل، ومنهم منيعجز عن عشرين رطلاً، وكذلك منهم من يمشي فراسخ في يوم لا يعجزه، ومنهم من يمشي بعض ميل فيضر ذلك به، ومنهم من يأكل من الطعام أرطالاً، ومنهم من يتخمه الرطل فما دونه، فكذلك القلب.
من الناس من يحفظ عشر ورقات في ساعة، ومنهم من لا يحفظ نصف صفحة في أيام، فإذا ذهب الذي مقدار حفظه نصف صفحة يروم أن يحفظ عشرورقات تشبهاً بغيره لحقه الملل، وأدركه الضجر، ونسي ماحفظ، ولم ينتفع بما سمع، فليقتصر كل امرئ من نفسه على مقدار يبقى [1] 2/ 1129. [2] الفقيه والمتفقه 2/101.