فجمعوا الغث والسمين، والصحيح والسقيم، والحق والكذب، في كتاب واحد، وربما في ورقة واحد، ويدينون بالشيء وضده، ولا يعرفون مافي ذلك عليهم، قد شغلوا أنفسهم بالاستكثار، عن التدبر والاعتبار، فألسنتهم تروي العلم، وقلوبهم قد خلت من الفهم، غاية أحدهم معرفة الكنية الغريبة، والاسم الغريب والحديث المنكر، وتجده قد جهل مالا يكاد يسع أحداً جهله من علم صلاته، وحجّه، وصيامه، وزكاته.
وطائفة هي في الجهل كتلك، أو أشد، لم يعنوا بحفظ سنة، ولا الوقوف على معانيها، ولا بأصل من القرآن، ولا اعتنوا بكتاب الله عز وجل فحفظا تنزيله، ولا عرفوا ماللعلماء في تأويله، ولا وقفوا على أحكامه، ولا ت فقهوا في حلاله وحرامه، قد اطرحوا علم السنن والآثار وزهدوا فيها وأضربوا عنها فلم يعرفوا الإجماع من الاختلاف، ولا فرقوا بين التنازع والائتلاف، بل عولوا على حفظ مادون لهم من الرأي والاستحسان الذي كان عند العلماء آخر العلم والبيان، وكان الأئمة يبكون على م اسلف وسبق لهم ـ من الفتوى ـ فيه ويودن أن حظهم السلامة منه " [1] .
وقال: " فعليك ياأخي بحفظ الأصول والعناية بها، واعلم أن من عني بحفظ السنن والأحكام المنصوصة في القرآن، ونظر أقاويل الفقهاء، فجعله عوناً له على اجتهاده، ومفتاحاً لطرائق النظر، وتفسير الجمل المحتمله للمعاني، ولم يقلد أحداً منهم تقليد السنن التي يجب الانقياد إليها على كل حال دون نظر، ولم يرح نفسه مما أخذ العلماء به أنفسهم من حفظ السنن، وتدبرها، واقتدى بهم في البحث [1] جامع بيان العلم وفضله 2/1135.