responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 357
من ذلك ندرك السر في تشديد النبي -صلى الله عليه وسلم- على الرماة ألا يبرحوا أماكنهم مهما يكن الموقف من نصر أو هزيمة، وتكرار هذا التشديد مع توضيح الموقف لهم، ليدركوا أهمية محافظتهم على موقفهم بالنسبة لموقف الجيش كله، ثم إشهاده الله عليهم إثارة لإيمانهم لما يفرضه عليهم من طاعة تامة[1].
ثم إنه لم يدخر وسعًا في تنظيم رجاله تنظيمًا عسكريًّا بارعًا ليعوضهم عن قلتهم، فتخير لهم أفضل المواقف إستراتيجية في ميدان القتال، وسد الثغرات على العدو حتى لا ينفذ من خلفهم، ثم إنه عمل على إثارة حمية رجاله وتنبيه روح البطولة فيهم؛ فقد مد يده بسيف وقال: "من يأخذ هذا السيف بحقه؟ " وتسابق إليه رجال فأمسكه عنهم، حتى قام أبو دجانة سماك بن خرشة أخو بني ساعدة الأنصاري، فقال: "وما حقه يا رسول الله؟ " فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أن تضرب به العدو حتى ينحني". وكان أبو دجانة رجلًا شجاعًا له عصابة حمراء إذا اعتصب بها علم الناس أنه سيقاتل وأنه أخرج عصابة الموت، فأخذ السيف وأخرج عصابته فاعتصب بها، وجعل يتبختر بين الصفين على عادته إذ يختال عند الحرب، فلما رآه النبي -صلى الله عليه وسلم- يتبختر قال: "إنها لمشية يبغضها الله إلا في هذا الموطن"[2].
هكذا كانت الجبهة اليثربية.
أما الجبهة المكية فقد بدت في هذا اليوم أكثر تماسكًا. قيادتها موحدة وكلمتها جميع، وحرصها على الثأر من المسلمين شديد، وقد ظاهرها كثرة في العدد وقوة في التسليح، ولديها قوة كبيرة من الفرسان، وخلف الجيش النسوة يحفظن الرجال ويحمسنهم، وكل واحدة منهن قد وعدت مولى لها بالخير الكثير، إن أدرك لها الثأر من قتلة الأحبة.
وهكذا وقفت في ميدان القتال قوتان غير متكافئتين لا في العدد ولا في العدة، يحرك القوة الكبرى ثأر لا يهدأ من يوم بدر في نفوس ثائرة، ومركز أدبي ومادي أوشك على الانهيار. ويحرك الصغرى عامل الدفاع عن الوطن أن تنتهك حرمته، وعامل الدفاع عن العقيدة ودين الله. فأما المطالبون بالثأر فقد كانت تؤيدهم الكثرة والعدة وتدفعهم الحفيظة، وأما المدافعون فقد بدأ بعض الخلل في صفوفهم، ولكن عوضته في

[1] البخاري 5/ 94. ابن كثير 4/ 25. إمتاع 1/ 124، 125.
[2] ابن هشام 2/ 11، 12.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 357
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست