اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 34
ذلك بشيوخها وأصحاب الشرف فيها، وجريًا على مبدأ ممارسة السلطان ممارسة جماعية، ودون أن تكون لديه هيئة إدارية أو تنفيذية أو قضائية. كما يجب أن يكون حليمًا متسامحًا. وهكذا نرى أن شيخ القبيلة ليس ملكًا متسلطًا عليها، بل هو أب أكبر لكل أفرادها. وإلى ذلك يشير معاوية بن مالك سيد بني كلاب 1:
نعطي العشيرة حقها وحقيقها ... فيها، ونغفر ذنبها ونسود
وإذا تحملنا العشيرة ثقلها ... قمنا به، وإذا تعود نعود
وإذا نوافق جرأة أو نجدة ... كنا، سمي بها العدو نكيد
بل لا نقول إذا تبوأ جيرة ... إن المحلة شعبها مكدود
وللزعماء في هذه المجالس القبلية أثر خطير في الحياة، فبحنكتهم السياسية وبحكمتهم وكفايتهم تقرر الأمور، ورب كلمة من زعيم أو هفوة منه تثير حربًا أو تسبب كارثة له ولقبيلته أو للحلف الذي يتزعمه؛ ذلك أن أعصاب رجال البادية مرهفة حساسة تثيرها الكلمة ولا سيما إذا كانت تتعلق بالشرف والجاه.
وشيخ القبيلة إذا كان ضعيفًا أثر ضعفه في قبيلته، وإذا كان قويًّا أثرت قوته في القبيلة، وقد تقوم الزعامة بما تعجز عنه الكثرة وبما ينوء به عدد القبيلة؛ ولهذا تكون مكانة القبيلة أو الحلف بمكانة الرئيس، ولهذا أيضًا نجد قبائل تظهر فجأة فتجتاح القبائل الأخرى وتتزعمها، ونجد قبيلة تتضاءل وتنهار فجأة فتتجزأ وتذوب أو تذبل؛ لأن زعيمها ضعيف الشخصية خائر القوى[2].
ولشيخ القبيلة حقوق أدبية ومادية، فأما الأدبية فأهمها توقيره واحترام شخصه ورأيه[3]، كما أنه له الإمرة العامة على الجند. أما حقوقه المادية، فقد كان له في كل غنيمة تغنمها القبيلة المرباع وهو ربع الغنيمة، والصفايا وهو ما يصطفيه لنفسه من الغنيمة قبل القسمة، والنشيطة وهو ما أصيب من مال العدو قبل اللقاء، وكذلك
1 المفضليات: القصيدة 104 ص155. [2] جواد علي: 4/ 215- 216. [3] ابن خلدون: المقدمة ص 143.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 34