اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 33
وفيهم مقامات حسان وجوههم ... وأندية ينتابها القول والفعل
وإن جئتهم ألفيت حول بيوتهم ... مجالس قد يشفى بأحلامها الجهل
وكانت قرارات هذه المجالس نافذة؛ فجميع أفراد القبيلة في الغالب يذعنون لها ولا يشذون عليها.
كما أن القيد الثاني الذي يحد من سلطة رئيس القبيلة هو أن الرياسة لم تكن وراثية، وإنه لمن النادر أن تجد في قبيلة بقاء السيادة في ثلاثة أفراد متعاقبين، ويفلسف ابن خلدون هذا الوضع فيقول: إن الرياسة تأتي من قوة العصبية وشرف النسب والخلال الكريمة. وهذه خلال تضعف من الابن إلى الحفيد، حتى إذا كان الرابع قصر عن طريقتهم جملة وأضاع الخلال الحافظة لبناء مجدهم واحتقرها، وتوهم أن ذلك البنيان لم يكن بمعاناة ولا تكلف، وإنما هو أمر موجب لهم منذ النشأة بمجرد انتسابهم، فيربأ بنفسه عن أهل عصبته ويرى الفضل له عليهم، وثوقًا بما ربى فيه، وجهلًا بما أوجب ذلك الاستتباع من الخلال التي منها التواضع لهم والأخذ بمجامع قلوبهم، فيحتقرهم بذلك؛ فينتقضون عليه ويحتقرونه ويديلون منه سواه من أهل ذلك المنبت ومن فروعه في غير ذلك العقب[1]. وإلى ذلك يشير عامر بن الطفيل أحد سادات العرب في الجاهلية[2]:-
وإني إن كنت ابن سيد عامر ... وفارسها المشهور في كل موكب
فما سودتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
ولكنني أحمي حماها وأتقي ... أذاها وأرمي من رماها بمنكبي
وشيخ القبيلة هو الذي يقودها في حروبها، ويقسم غنائمها، ويستقبل وفود القبائل الأخرى، ويعقد الصلح والمحالفات، ويقيم الضيافات؛ ولذلك كان لا بد من أن تتوافر فيه صفات الشجاعة والكرم والنجدة وحفظ الجوار وإغاثة المعوز والضعيف، ولابد من أن يتحمل أكبر قسط من جرائر القبيلة وما تدفعه من ديات، كما كان عليه أن يصلح ذات البين فيها ويلم شعثها ويعمل على حفظ وحدتها، مستعينًا في [1] ابن خلدون: المقدمة ص 153- 154. [2] المسعودي: مروج الذهب2/ 55 "طبع القاهرة 1918".
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 33