اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 322
وقد بينت هذه الصحيفة الأسس الكبرى في القانون الذي ينظم الحياة العامة والسياسية والتي كان معمولًا بها في المدينة في أول الأمر، ويتجلى من هذا الكتاب إلى أي حد قد تغيرت الأحوال القديمة وإلى أي حد لم تتغير.
وأول هذه الأسس أن هذه الصحيفة أعطت صفة للجماعة الإسلامية، فقد قررت أن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس. وكلمة الأمة هنا ليست اسمًا للجماعة العربية القديمة التي تربطها رابطة النسب، بل هي تدل على الجماعة بالمعنى المطلق، وبهذا التقرير ألغى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحدود القبلية، أو على الأقل لم يجعل لها وجودًا رسميًّا بالنسبة للدولة، أو بلفظ آخر ارتفع هو عن المستوى القبلي المحدود، وبهذا أصبح الإسلام ملكًا لمن دخل فيه؛ فدخل بناء على هذه القاعدة شعوب كثيرة في الإسلام دون أن يضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمامها عقبات تحول بينها وبين الاشتراك في حياة العالم الإسلامي. وهذا المبدأ مرن جدًّا ومرونته هي التي كفت المسلمين في العصور الوسطى كثيرًا من الشرور وكفلت للإسلام دائمًا حيوية جديدة وسيوفًا تدافع عنه، وهذه الفكرة كانت جديدة بالنسبة للعالم اليوناني والروماني القديم. وللأمة في هذه الصحيفة صبغة دينية أيضًا فهي جماعة الله التي ترعى مبادئ السلام ومبادئ حماية الجار ونصرة المظلوم والله هو الشهيد الذي يشرف عليها، ومحمد يشرف عليها باسمه، فالإيمان هو رباط الاتحاد والمؤمنون هم ممثلو معناه، وهم لذلك أول من يجب عليهم الوفاء لهذا الاتحاد، وهم في الوقت نفسه أول من يتمتع بالحقوق التي يخولها لهم.
والأمة لها منطقة من الأرض إجمالية، وهي منطقة المدينة وكل هذه المنطقة ينبغي أن تكون حرمًا وأرض سلام لا يعتدي فيها أحد على أحد. والأمة لذلك لا تشتمل على المؤمنين وحدهم بل هي تتألف من كل من يتبعهم ويحارب معهم أي من كل أهل المدينة، وكان بين الأنصار قوم لم يسلموا ولكنهم لم يستبعدوا من الأمة بل أدمجوا فيها بنص صريح، وكذلك اليهود شملتهم الأمة وإن كانوا لا ينتمون إليها انتماء وثيقًا كالمهاجرة والأنصار. ولذلك لم تكن تقع عليهم نفس الواجبات وليس لهم نفس
وقد بينت هذه الصحيفة الأسس الكبرى في القانون الذي ينظم الحياة العامة والسياسية والتي كان معمولًا بها في المدينة في أول الأمر، ويتجلى من هذا الكتاب إلى أي حد قد تغيرت الأحوال القديمة وإلى أي حد لم تتغير.
وأول هذه الأسس أن هذه الصحيفة أعطت صفة للجماعة الإسلامية، فقد قررت أن المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم أمة واحدة من دون الناس. وكلمة الأمة هنا ليست اسمًا للجماعة العربية القديمة التي تربطها رابطة النسب، بل هي تدل على الجماعة بالمعنى المطلق، وبهذا التقرير ألغى النبي -صلى الله عليه وسلم- الحدود القبلية، أو على الأقل لم يجعل لها وجودًا رسميًّا بالنسبة للدولة، أو بلفظ آخر ارتفع هو عن المستوى القبلي المحدود، وبهذا أصبح الإسلام ملكًا لمن دخل فيه؛ فدخل بناء على هذه القاعدة شعوب كثيرة في الإسلام دون أن يضع الرسول -صلى الله عليه وسلم- أمامها عقبات تحول بينها وبين الاشتراك في حياة العالم الإسلامي. وهذا المبدأ مرن جدًّا ومرونته هي التي كفت المسلمين في العصور الوسطى كثيرًا من الشرور وكفلت للإسلام دائمًا حيوية جديدة وسيوفًا تدافع عنه، وهذه الفكرة كانت جديدة بالنسبة للعالم اليوناني والروماني القديم. وللأمة في هذه الصحيفة صبغة دينية أيضًا فهي جماعة الله التي ترعى مبادئ السلام ومبادئ حماية الجار ونصرة المظلوم والله هو الشهيد الذي يشرف عليها، ومحمد يشرف عليها باسمه، فالإيمان هو رباط الاتحاد والمؤمنون هم ممثلو معناه، وهم لذلك أول من يجب عليهم الوفاء لهذا الاتحاد، وهم في الوقت نفسه أول من يتمتع بالحقوق التي يخولها لهم.
والأمة لها منطقة من الأرض إجمالية، وهي منطقة المدينة وكل هذه المنطقة ينبغي أن تكون حرمًا وأرض سلام لا يعتدي فيها أحد على أحد. والأمة لذلك لا تشتمل على المؤمنين وحدهم بل هي تتألف من كل من يتبعهم ويحارب معهم أي من كل أهل المدينة، وكان بين الأنصار قوم لم يسلموا ولكنهم لم يستبعدوا من الأمة بل أدمجوا فيها بنص صريح، وكذلك اليهود شملتهم الأمة وإن كانوا لا ينتمون إليها انتماء وثيقًا كالمهاجرة والأنصار. ولذلك لم تكن تقع عليهم نفس الواجبات وليس لهم نفس
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 322