اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 312
الإسلام كانوا أكثر استعدادًا لتقبله وفهم معناه من وثنيي مكة، وكانوا أسرع إلى هذا النبي الذي كثيرًا ما كانت تهددهم به اليهود وأحرص على ألا يُسبقوا إليه[1].
ثم إن الأوس والخزرج كانوا -في هذا الوقت- أصحاب الكلمة العليا في يثرب، وكانوا قد أصبحوا سادة الموقف بها وأصبح اليهود يعتبرون موالي لهم؛ فإذا تحالف النبي -صلى الله عليه وسلم- مع الأوس والخزرج ودخلوا في دينه كان له ألا يخشى اليهود، كما كان في مقدور الأوس والخزرج أن يُدْخِلوا في المدينة مَنْ شاءوا دون أن يخشوا اعتراض اليهود عليهم. وقد استطاع النبي -صلى الله عليه وسلم- فيما بعد أن يرغم اليهود على الانضمام إلى الجماعة الجديدة، وأن يرغمهم بعد ذلك على أن يخرجوا من المدينة حين تبين منهم الخيانة، وأصبحوا خطرًا على الدولة الناشئة.
والأمر الثالث الذي مهد للنبي -صلى الله عليه وسلم- هو أن كثيرًا من زعماء الأوس والخزرج الذين كان الناس يرشحونهم للرياسة، والذين كانوا موضع التبجيل والاحترام، والذين كانوا أصحاب الكلمة النافذة في يثرب، وكان من الممكن أن تقف مطامعهم الشخصية في وجه النظام الجديد، مات أكثرهم في موقعة بُعاث بين الأوس والخزرج قبيل الهجرة؛ فلم يجد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا الرؤساء الثانويين، وكان هؤلاء أميل إلى الطاعة، أو كانوا على أي حال أسهل قيادًا[2].
وأمر رابع لا يقل أهمية وهو: أن فكرة الخير التي تمتلئ بها النفس ويقتنع بها العقل تجعل من قوة الفرد الضئيلة قوة ضخمة، كأن القوة الفردية تتضاعف بمقدار ما في النفس من إيمان بالفكرة؛ لأن هذا الإيمان وهذه العقيدة يورثان صاحبهما قوة تمكنه من أن يصل إلى غايته لا يستطيع صده عائق أو معوِّق.
هذه هي الأسباب التي ساعدت الفئة القليلة الطريدة الطارئة على المدينة. وما كاد النبي -صلى الله عليه وسلم- يستقر بها حتى بدأ تنظيم أمر الدعوة الإسلامية تنظيمًا يختلف عن التنظيم المكي. [1] ابن هشام 2/ 38. [2] البخاري 5/ 67.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 312