اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 311
الفصل الخامس: الهجرة وتأسيس الدولة الإسلامية في يثرب
فئة قليلة هاجرت إلى يثرب مع النبي -صلى الله عليه وسلم- تاركة ديارها، فأُقفلت بهجرتها دور كثيرة من دور مكة، وتألم كثير من المكيين لقفل هذه الدور وتحسروا عليها، ورموا النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه فرق بين الناس[1]، كانوا فئة قليلة مشردة مطرودة، أُخرجت من ديارها وأموالها، وفي نفسها حنين إلى من تركوا من الأهل، فلم يستقبلوا حياتهم الجديدة، أو لم تستقبلهم حياتهم الجديدة بالترحاب؛ فقد كان جو المدينة وبيئًا رطبًا، فأصيب كثير من المهاجرين بالحمّى[2]، ثم إنهم كانوا محتاجين في هذا العهد الجديد إلى أن يدبروا أمر معاشهم بطريقة ما، بعد أن تخلوا عن أموالهم في مكة وهاجروا فَارِّين بدينهم وأنفسهم. هذه الفئة القليلة التي يعمل فيها الحنين والحمى، والتي تدبر أمر معاشها على نحوٍ ضئيل[3]، استطاعت أن تبلغ في يثرب ما لم تبلغه في مكة، ونالت توفيقًا لم تنل مثله من قبل، فلا بد أن توجد أسباب تعلل هذا التوفيق.
وأول هذه الأسباب: هو أن اليهود كانوا قد هيَّئوا الناس لفكرة الديانة السماوية؛ فقد كانوا أهل كتاب. وكان الأوس والخزرج وثنيين، لكن الاتصال المستمر جعل الفريقين يعرفان أديان بعضهما. وقد كان اليهود يفاخرون الأوس والخزرج بدينهم وكتابهم ويعيرونهم بوثنيتهم، ويهددونهم بقرب ظهور نبي جديد يحطم الأصنام؛ فينضمون إليه ويقتلونهم قَتْلَ عادٍ وإرم؛ فالأوس والخزرج الوثنيون حين دعوا إلى [1] ابن هشام 2/ 79. ابن كثير 3/ 170- 171. [2] البخاري 3/ 23، 5/ 66- 67. ابن كثير 3/ 221- 224. [3] البخاري 3/ 53، 60.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 311