اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 224
من المشقة والعذاب، فتواصت البطون القرشية بتعذيب من أسلم منها، وألحت على المستضعفين من الموالي والعبيد بالعذاب، كما ألحت على من أسلم من رجالها ونسائها بالأذى، وهي مع كل ذلك تقيم دعاية قوية ضد دعوة محمد -صلى الله عليه وسلم- وتتهمه مرة بالسحر ومرة بالجنون ومرة بالافتراء، وتقف لكل وارد على مكة تحذره من ذلك الرجل الذي يملك من سحر البيان ما يفرق به بين المرء وزوجه والأخ وأخيه، وتتخذ مما يحدث في بيوتها مثلًا تضربه على ما تقول، ثم هي لا تني عن سؤال أهل الكتاب من اليهود والنصارى عما يدعيه محمد -صلى الله عليه وسلم- تريد بذلك أن تقيم حجة على ما تقول، ويقوم بعض رجالها بعقد مجالس يتحدثون فيها إلى الناس بغريب القصص وأساطير الأمم يعارضون بها مجالس محمد -صلى الله عليه وسلم- يريدون بذلك أن يصرفوا الناس عنه، وأن يفهموهم أنه إنما يأتي بمثل هذه الأساطير[1]. وقد تسرف في تصرفها مع الوافدين على مكة من رجال القبائل، فتتعدى التحذير إلى الإعنات، وقد تبطش بمن لا تؤثر فيه دعايتها ويصر على إعلان إيمانه من الوافدين، ولم يكن يردها عن الفتك به إلا حرصها على علاقتها الطيبة مع القبائل وخوفها على مصالحها التجارية، كما فعلت بأبي ذر الغفاري حين أسلم[2]. [1] ابن هشام [1]/ 381. [2] أسد الغابة 5/ 187. الهجرة في سبيل الدعوة:
ولما رأى النبي -صلى الله عليه وسلم- الأذى يشتد بأصحابه، أمرهم بالهجرة إلى الحبشة: "فإن بها ملكًا لا يظلم عنده أحد، وهي أرض صدق، حتى يجعل الله لكم فرجًا مما أنتم فيه" فخرج عند ذلك المسلمون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أرض الحبشة مخافة الفتنة وفرارًا إلى الله بدينهم، فكانت أول هجرة في الإسلام[1].
وفي هجرة المسلمين إلى الحبشة لا بد بعرض سؤال: لماذا فكر النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحبشة ولم يفكر في غيرها من أقاليم الجزيرة العربية؟ الواقع أن تفكير النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحبشة ينطوي على معرفة كبيرة بالظروف وإلمام تام بأحوال الجزيرة العربية، كما أن فيه لفتة سياسية من جانب النبي -صلى الله عليه وسلم- موجهة إلى قريش. [1] ابن هشام 1/ 343.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 224