responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 223
ووصلت من نفسه إلى مركز الإعجاب فلم يسعه إلا أن يقول: اذهب يا ابن أخي فقل ما أحببت، فوالله لا أسلمك لشيء أبدًا[1]، ومن ساعتها وقف الشيخ حياته على حماية ابن أخيه، فلم يثنه شيء عن الذود عنه.
ولقد فكر رجال قريش بحسب ما يفهمون من مثل الحياة عندهم، وظنوها من محمد عملًا للوصول إلى غرض من أغراض الحياة، وحسبوا من وقوف بني هاشم إلى جانب محمد نزعة إلى الزعامة وغاية للرياسة، فاستجابو للاقتراح تقدم به عتبة بن ربيعة -أحد سادات قريش- حيث قال: ألا أقوم إلى محمد فأكلمه وأعرض عليه أمورًا لعله يقبل بعضها فنعطيه أيها شاء ويكف عنا، فقالوا: بلى يا أبا الويد، قم إليه فكلمه، فقام عتبة حتى جلس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا ابن أخي، إنك منا حيث قد علمت: من السلطة في الشعيرة والمكان في النسب، وإنك قد أتيت قومك بأمر عظيم فرقت به جماعتهم وسفهت به أحلامهم، وعبت به آلهتهم ودينهم، وكفرت به من مضى من آبائهم، فاسمع مني أعرض عليك أمورًا تنظر فيها لعلك تقبل بعضها، فقال له رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قل يا أبا الوليد أسمع" قال: يا ابن أخي، إن كنت إنما تريد بما جئت به من هذا الأمر مالًا جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثرنا مالًا، وإن كنت إنما تريد به شرفًا سودناك علينا حتى لا نقطع أمرًا دونك، وإن كنت تريد به ملكًا ملكناك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك رئيًا تراه لا تستطيع رده عن نفسك طلبنا لك الطب وبذلنا في أموالنا حتى نبرئك منه، فإنه ربما غلب التابع على الرجل حتى يداوى منه.
وحيث أتم عتبة كلامه، لم يزد النبي -صلى الله عليه وسلم- على أن تلى عليه آيات من سورة من القرآن ما سمعها الرجل حتى انبهر، وقام وهو مدرك أنه لا سبيل إلى هذا الرجل غير متابعته، أومنابذته حتى يحكم الله بينه وبينهم[2].
يئست قريش من إغراء محمد -صلى الله عليه وسلم- فاتخذت طريق الجدال والإنكار والاستهزاء، والتعجيز بالأسئلة، والإلحاح في طلب المستحيل من الأعمال مع التصميم على الإنكار، لكن إيمان محمد -صلى الله عليه وسلم- برسالته وبما يوحى إليه كان أعظم من أن ينال من إنكار المنكرين واستهزاء المستهزئين. عند ذلك لجأت قريش إلى طريقة الاضطهاد والتعذيب للمسلمين حتى تخيفهم؛ فتردهم عن دينهم وتمنع غيرهم من متابعة محمد -صلى الله عليه وسلم- خوفًا

[1] ابن هشام 1/ 278.
[2] ابن هشام 1/ 313- 315.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف    الجزء : 1  صفحة : 223
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست