اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 210
شريكة توافق ميوله. وقد كان هذا الزواج من العوامل التي جعلته يتخفف من بعض أعباء الحياة ومن بعض عناء السعي؛ فخديجة الغنية بمالها، والتي كانت امرأة نَصَفة قد فارقت عهد الشباب الأول، وكانت لها تجربة إدارة أموالها، كانت أقدر على حياة زوجية هادئة رصينة، هيأت لمحمد -صلى الله عليه وسلم- أن يتخفف من أعباء الحياة لأفكاره الذاتية، ولحياته الداخلية القوية التي تشغل عزلته كلما أمعن في العزلة -والعزلة لا يطيقها إلا الذين حفلت نفوسهم بالأفكار الذاتية- ثم من ناحية أخرى تتصل بهذا، يشهد بها بعض الرواة نقلًا عن زوجته عائشة، وهي أن أول ما بدئ به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يرى الرؤية واضحة كبلج الصبح[1]. ومعنى هذا أن حياته الداخلية كانت امتدادًا لحياته الخارجية؛ فهو في يقظته وفي نومه يجد نفسه مشغولًا بأمر واحد، وهو أمر الدين الذي يتهيأ لقبوله وتلقيه، والإنذار به والدعوة إليه. [1] ابن هشام [1]/ 252، الطبري 2/ 47.
المفاهيم الجديدة في الدعوة:
بدأت الدعوة إلى الإسلام ذات صفة دينية في الدور المكي من حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- أما الصفة السياسية فلم تظهر إلا في الدور المدني. وهذا أمر طبيعي؛ إذ إنه لا بد من أن يبدأ بتقرير العقيدة ثم بث المثل العليا في النفوس، حتى إذا ما تهيأت لذلك أمكن تنظيم المجتمع على هذا الأساس.
وقدمت هذه الدعوة للعرب مفاهيم جديدةلم يكونوا يعرفونها أولم يكونوا يؤمنون بها. وأول هذه المفاهيم هو المفهوم الجديد للوحدانية. وهذه الوحدانية تظهر للإنسان بالنظر العقلي في إثبات وجود الله ووحدانيته؛ ففي نظام الخلق، وترابط الوجود، وقوانين الطبيعة، وما يقوم على الأرض من إنسان وحيوان ونبات، وفي ذات الإنسان نفسه؛ في خلقه وفي عقله ووجدانه, ما يؤدي بالعاقل المتبصر المتفكر إلى إقرار وجود الله وإقرار وحدانيته، والقرآن الكريم حافل بالآيات التي تدعو العقل إلى النظر والتدبر ليصل إلى هذه النتيجة[1].
ومفهوم الوحدانية كما جاء بها الإسلام مفهوم جديد، لا على العرب وحدهم، ولكن على الناس جميعًا. حقيقة إن الأديان السماوية كلها قد دعت إلى الوحدانية، [1] على سبيل المثال، اقرأ كلًّا من سورة: هود7، الأحقاف3، العنكبوت19، 20، 61، 63، الرعد 5-16، الأنبياء 30- 31, الحج 5، لقمان 10، فصلت 9-12، القمر 49-50، الطلاق 12، النبأ 6-7، آل عمران 5- 6, 18، 190 البقرة 116، 117، 163، 165، الأنعام 21، 56، 94، 100، 103، يونس 31 - 36، الغاشية 17- 26.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 210