اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 209
عمه وهو صبي[1]، وسافر في تجارة لخديجة وهو شاب[2]، كما مارس التجارة في مالها بعد أن تزوجها؛ فاكتسب خبرة بالمعاملات التجارية ومعرفة بطبيعة الإنسان يقدر بها على تقدير قيمة الرجل الأدبية من فور. كما اكتسب خبرة بالبلاد وأحوال الناس، ثم إنه كان قد اشتغل بالرعي حين كان صبيًّا، فأكسبه ذلك صفة خلقية هي التواضع وتمجيد العمل أيًّا كان نوعه[3]. ثم إنه اشتهر بصفة خلقية هي الأمانة حتى سمي بين الناس قبل البعث بالأمين[4], فكان له إلى جانب تجاربه، أخلاقه المرتضاة التي كانت تحببه إلى الناس قبل أن يعارض آراءهم. وثمة صفة أخرى اشتهر بها هي صفة القدرة على الحكم وسرعة البديهة في حسم الأمور، يشهد بذلك حكمه بين أهل مكة حين جددت قريش بناء الكعبة, واختلفت بطونها على من ينال شرف وضع الحجر الأسود في مكانه من البناء، فأظهر من سرعة الخاطر وقوة البديهة ما حسم الموقف وأرضى المتنازعين, كما كشف هذا الموقف عن قيمة محمد -صلى الله عليه وسلم- في الحياة الاجتماعية في مكة بحيث ارتضاه رجال الملأ حكمًا ورضوا بحكمه[5]. ثم إنه كان إلى هذا كله يتيمًا فقيرًا ذا طبيعة دينية على ما يمكن أن نستنتج من ميله إلى التحنث -وهو التفكير والتأمل والتعبد- معتزلًا بكهف بالجبل شهرًا من كل عام [6]؛ فالنبي -صلى الله عليه وسلم- رجل اكتسب صفات على نحو ما يكتسبه الناس، وتلقى من الله توفيقات وإلهامات. فهو بشر ارتفع بنفسه على نحو ما يرتفع كبار الفلاسفة بأنفسهم عن مستوى تفكير عامة الناس، إلا أن النبي يرتفع بعقله وقلبه في آن واحد, على حين يرتفع الفيلسوف بعقله فقط.
ثم إن النبي -صلى الله عليه وسلم- وجد بعد زواجه من خديجة بنت خويلد -وهي إحدى النساء الغنيات الشريفات في مكة [7]- نوعًا من الراحة النفسية التي يجدها المرء إذا وفق إلى [1] ابن سعد 1/ 101. [2] نفسه 1/ 111. [3] ابن هشام 1/ 178. [4] نفسه 1/ 14. [5] ابن هشام 1/ 214. [6] نفسه 1/ 153، الطبري 2/ 47. [7] ابن هشام 1/ 252، الطبري 2/ 47.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 209