اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 180
وقد ذكر المستشرق أوليري oleary أن مكة أصبحت مركزًا للصيرفة يمكن أن يدفع فيها التجار أثمان السلع التي ترسل إلى بلاد بعيدة، كما كانت عملية الشحن والتفريغ لهذه التجارة الدولية تتم هناك، وكذلك كان يتم التأمين على المتاجر وهي تجتاز الطرق المحففوة بالمخاطر[1]، وقد كان يساعد قريشًا على تأمين تجارتها ما كانت تتمتع به من حرمة عند العرب، وما كان لها من ارتباطات مع القبائل الضاربة على طول طرق التجارة.
ولم تكن قوافل مكة تجارة أفراد؛ وإنما كانت تجارة مدينة، وكانت قريش كلها تشارك فيها، وكان كبار التجار يقومون على هذه القوافل التي تضم أموالًا لأفراد متعددين، منهم من يسافر على تجارته، ومنهم من يستأجر آخرين، ومنهم من يقرض ماله للمتاجرة على النصف، وأحيانًا كانت القافلة تحمل أموالًا لأهل مكة جميعًا[2].
ولم تكن التجارة خاصة بالرجال دون النساء، فكان منهن ثريات اشتغلن بالأعمال التجارية، مثل خديجة بنت خويلد التي كانت تتجر بمكة، وكانت تستأجر الرجال للسفر بتجارتها إلى الشام[3]، ومثل الحنظلية أم أبي جهل التي كانت تتاجر في العطور تجلب لها من اليمن [4]، وقد أشار القرآن إلى ذلك حيث قال: {وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ} [النساء] وكانت المرأة لا تنكح إلا ولها مال[5]. وعلى ذلك فتجارة مكة الخارجية ليست تجارة أفراد، وإنما هي تجارة جماعية.
وقد أدى نشاط بعض أسر مكة في التجارة إلى حصولها على ثروات طائلة، وقد أسهم رجل واحد من أهل مكة هو أبو أحيحة بن سعيد بن العاص بن أمية بثلاثين ألف دينار في القافلة التي كان يقودها أبو سفيان، وكانت السبب في موقعة بدر سنة [2]هـ [6]، ومبلغ مثل هذا ليس بالشيء القليل بالنسبة للوضع المالي في تلك الأيام. كذلك كان [1] O,lery, Arabia Befofore Mohammad, P. 182 [2] الواقدي، المغازي 18. [3] أسد الغابة 1/ 16، ابن كثير 2/ 294- 295. [4] الأغاني 1/ 64- 65. [5] سير أعلام النبلاء 1/ 231. [6] الواقدي، المغازي 18.
اسم الکتاب : مكة والمدينة في الجاهلية وعهد الرسول صلى الله عليه وسلم المؤلف : أحمد إبراهيم الشريف الجزء : 1 صفحة : 180