responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان    الجزء : 1  صفحة : 273
لرسول الله صلّى الله عليه وسلم- وهم الذين أخرجوه وآذوه وقاتلوه- بدون أيّ جهد أو مغامرة من المسلمين، فتهيأت أسباب إسلام أبي سفيان قبل غيره، وذلك في اللقاء الذي تمّ بينه وبين رسول الله صلّى الله عليه وسلم، عند (مرّ الظهران) ، كي يعود إلى قومه في مكة، فينتزع من رؤوسهم فكرة الحرب والقتال، ويهيئ جو مكة لسلم يكون مآله دفن حياة الجاهلية والشرك وبزوغ شمس التوحيد والإسلام.
ولقد كان من مظاهر التمهيد لهذا الأمر ما أمر به الرسول صلّى الله عليه وسلم من إعلان: أن من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، وذلك بعد أن أعلن إسلامه، إلى جانب ما في ذلك من تألف قلبه على الإسلام وتثبيته عليه. وأنت خبير أن الإسلام إنما هو الاستسلام لأركانه العملية والاعتقادية، ولا بد للمسلم بعد ذلك من رسوخ الإيمان في قلبه، وإنما يكون ذلك بمداومته على التمسك بمبادئ الإسلام وأركانه، ومن أهم ما يحفزه على المداومة والاستمرار، تألّف المسلمين لقلبه بمختلف الوسائل والأسباب المشروعة، ريثما تستقر جذور الإيمان في قلبه ويغدو إسلامه قويا صلدا لا تهزه أو تزعزعه الأعاصير.
لقد غابت هذه الحكمة من أذهان بعض الصحابة من الأنصار، حينما سمعوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول: من دخل دار أبي سفيان فهو آمن، فظنوا أنه صلّى الله عليه وسلم شعر بالميل والعاطفة نحو بلدته وجماعته، فهو من أجل ذلك قال هذا الكلام، وأظهر وجه المسالمة والصفح! ..
روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلّى الله عليه وسلم لما قال هذه الكلمة، قال الأنصار بعضهم لبعض:
«أما الرجل فقد أدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته، قال أبو هريرة: وجاء الوحي، وكان إذا جاء الوحي لا يخفى علينا، فإذا جاء فليس أحد يرفع طرفه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى ينقضي الوحي، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار، قالوا: لبيك يا رسول الله، قال: قلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته، قالوا: قد كان ذلك، قال: كلا، إني عبد الله ورسوله، هاجرت إلى الله وإليكم، والمحيا محياكم والممات مماتكم! .. فأقبلوا إليه يبكون ويقولون: والله ما قلنا إلا ضنا بالله ورسوله» .
وهذا الذي قلناه من الفرق بين الإسلام والإيمان، هو الذي يكشف لك ما قد تستشعره من الإشكال في الشكل الذي تمّ عليه إسلام أبي سفيان رضي الله عنه. فقد رأيت أنه أجاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم، حينما قال له: «ألم يأن لك أن تعلم أنني رسول الله؟ بقوله: أمّا هذه والله، فلا يزال في النفس منها شيء! .. فقال له العباس: ويحك أسلم واشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله قبل أن تضرب عنقك!. وحينئذ شهد شهادة الحق» .
والإشكال في هذا أنه قد يقال: فما هي قيمة إسلام لم يأت إلا بالتهديد، إذ قد كان من قبل

اسم الکتاب : فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخلافة الراشدة المؤلف : البوطي، محمد سعيد رمضان    الجزء : 1  صفحة : 273
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست