اسم الکتاب : شرح الشفا المؤلف : القاري، الملا على الجزء : 1 صفحة : 50
والفاعل أي بين وعين (المثل بالشّجرة المباركة) فطوبى لشجرة لها هذه الثمرة فجعل إبراهيم عليه الصلاة والسلام لكونه معدن اسرار عوارف المنافع وأنوار لطائف الشرائع الذين هم الأنبياء وأتباعهم الاصفياء إذ غالبهم بل كلهم بعده من ذريته فهو شجرة النبوة مشبهة بشجرة مباركة زيتونة لكثرة نفعها إذ هو فاكهة وادام ودواء ودهن له ضياء والحاصل أن نور محمد صلى الله تعالى عليه وسلم انتقل من آبائه الكرام إلى أن ظهر ظهروا بينا في ظهر إبراهيم عليه الصلاة والسلام إذ صار علما في علم التوحيد ولا سيما في باب التفويض والاستسلام فهو شجرة كثيرة الخير لأن من بعده من الأنبياء كلهم من ذريته وكان أكثرهم في جهة الشام من الأرض التي بارك الله تعالى حولها وكان الزيتونة إشارة إليها وقوله لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ أي حيث لا تقع الشمس عليها حينا دون حين بل حيث تقع عليها طول النهار كالتي تكون على قلة جبل مرتفعة أو صحراء واسعة فإن ثمرتها تكون أنمى وزيتها أصفى أولا نابتة في شرق المعمورة ولا غربها بل في وسطها وهو توابع الشام فإن زيتونه أجود الزيتون في غيرها وهذا بطريق العبارة وأما بتحقيق الإشارة فإيماء إلى قبلة أهل التوحيد وكعبة أهل التفريد حيث إنها ليست شرقية كقبله النصارى ولا غريبة كقبلة اليهود وبالجملة إشارة إلى أن الملة الحنفية أعدل الملل الإسلامية فأهلها متوسطون بين الخوف والرجاء فلا خوف لهم يزعجهم إلى بعد القنوط ولا رجاء يجرهم إلى بساط الانبساط وقال بعضهم لا دنيوية أو لا أخروية بل جذبة الهية إلى مكانة معنوية (وَقَوْلُهُ: يَكادُ زَيْتُها يُضِيءُ [النُّورِ: 35] أَيْ: تَكَادُ نبوّة محمّد صلى الله تعالى عليه وسلم) أي المقتبسة من شجرة النبوة. (تبين) بفتح فوقية وكسر موحدة أي تظهر (للنّاس قبل كلامه) أي بادعاء النبوة حالة الرسالة لقوة ما فيها من الأنوار الإلهية ولكونه مظهر الأسرار الصمدية (كهذا الزّيت) أي في صفاء ظاهره وباطنه حيث يضيء ولو لم تمسسه نار من الأنوار الحسية وبعد اجتماع النبوة والرسالة والجمع بين الخلوة والجلوة نُورٌ عَلى نُورٍ كما في اجتماع النار مع ضياء الزيت في كمال الظهور يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ أي لأجل نوره وبواسطة ظهوره أو إلى حضرة نوره وأخذ النور من حضوره من يشاء من خواص أوليائه وأكابر أصفيائه وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثالَ لِلنَّاسِ فيه إشعار بأن ما قبله إنما هو مثل للاستئناس ليدرك المعنى في قالب المبنى لكن لا يعقلها إلا العالمون العاملون والمخلصون الكاملون رضي الله تعالى عنهم وجعلنا بفضله منهم، (وقد قيل في الآية) أي على ما ذكره المفسرون وأرباب العربية (غير هذا) أي غير ما ذكرنا مما يتعلق بالعبارة والعاقل تكفيه الإشارة لأن الزيادة على العلامة ربما تورث الملالة والسآمة (وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَدْ سَمَّاهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي القرآن في غير هذا الموضع نورا) أي عظيما مطلقا (وَسِراجاً مُنِيراً) أي شمسا مضيئة حقا ولعل وجه التذكير أنها كوكب والظاهر أنه من باب التشبيه البليغ وكون المشبه به أقوى من حيث شهرته ووضوح دلالته العامة للخاص والعام من عالم الخلق. (فقال) أي الله تعالى: (جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ) أي لظهور الحق
اسم الکتاب : شرح الشفا المؤلف : القاري، الملا على الجزء : 1 صفحة : 50