.. أما السهو فى الأفعال البلاغية، فغير مناقض لها ولا قادح فى النبوة، بل غلطات الفعل، وغفلات القلب من سمات البشر، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنما أنا بشر مثلكم، أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكرونى" [1] وحالة النسيان والسهو هنا – فى الأفعال البلاغية – فى حقه صلى الله عليه وسلم سبب إفادة علم، وتقرير شرع، كما قال صلى الله عليه وسلم: "إنى لأَنسْىَ، أو أُنسَىَ لأَسُن" [2] أى: إنما أدفع إلى النسيان لسوق الناس بالهداية إلى طريق مستقيم، وأبين لهم ما يحتاجون أن يفعلوا إذا عرض لهم النسيان [3] .
... وهذه الحالة زيادة له فى التبليغ، وتمام عليه فى النعمة، بعيدة عن سمات النقص، وأغراض الطعن، فإن القائلين بتجويز ذلك يشترطون أن الرسل لا تقر على السهو والغلط، بل ينبهون عليه، ويعرفون حكمه بالفور على قول بعضهم وهو الصحيح، وقبل انقراضهم على قول الآخرين. [1] أخرجه البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب الصلاة، باب التوجه نحو القبلة حيث كان 1/600 رقم 401، ومسلم (بشرح النووى) كتاب المساجد، باب السهو فى الصلاة والسجود له 3/63 رقم 572 من حديث ابن مسعود رضى الله عنه. [2] أخرجه مالك فى الموطأ كتاب السهو، باب العمل فى السهو 1/100 رقم2، قال ابن عبد البر لا أعلم هذا الحديث روى عن النبى صلى الله عليه وسلم مسنداً ولا مقطوعاً، من غير هذا الوجه، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى فى الموطأ، التى لا توجد فى غيره مسنده ولا مرسله. ومعناه صحيح فى الأصول. وقال الحافظ فى فتح البارى 3/122 رقم 1229 هذا الحديث لا أصل له، فإنه من بلاغات مالك، التى لم توجد موصولة بعد البحث الشديد، وقال الشوكانى فى نيل الأوطار 3/109، وهو أحد الأحاديث الأربعة التى تكلم عليها فى الموطأ. [3] لسان العرب 13/ 225، والقاموس المحيط 4/233، والمعجم الوسيط 1/455.