آيات من القرآن الكريم أخذت بمجامع قلب النجاشي*، فقال للوفد القرشي: « [إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة] إنطلقا، والله لا أسلمهم اليكما.» وإذ خاب مسعى السفيرين، فقد حاولا التأتي للأمر بطريقة أخرى. وتفصيل ذلك أنهما عمدا، في اليوم التالي، إلى استثارة غضب الملك بأخباره أن الهراطقة لا يؤمنون بألوهية يسوع. ولكن هذه الخطة أيضا أخفقت إخفاقا كاملا. فقد أقرّ المسلمون بأنهم لا يعتبرون يسوع إلها ولكنهم يعتبرونه نبيا مختارا، فأخذ النجاشي عودا وأشار اليه قائلا: «والله ما عدا عيسى بن مريم مما قال المسلمون هذا العود.» وهكذا رجع الوفد القرشي صفر اليدين.
وتعرف هذه الهجرة بالهجرة الاولى إلى الحبشة.
وجدير بالذكر ان القرشيين استشعروا قلقا بالغا بسبب من هجرة المسلمين إلى الحبشة. لقد تعقّبوهم بادئ الامر حتى الثغر الذي أبحروا منه لكي يلقوا القبض عليهم، حتى إذا أخفقوا تبعوهم إلى بلاط النجاشي. فما الذي هاج قلقهم إلى هذا الحد؟ أتكون دعاية المسلمين المناهضة للوثنية هي التي أثارت حفيظة قريش هذه الاثارة كلها؟ ولكن المهاجرين كانوا الآن أبعد من أن يؤذوا مشاعرهم من طريق الطعن على آلهتهم. والواقع أن العداء الذي أثارته الخلافات الدينية كان قد أمسى الآن شخصيا. فلم يستطع المكيون أن يطيقوا التفكير في امكان نجاح المسلمين في ما وراء البحار وهم الذين أخرجوهم من منازلهم وديارهم.
كانوا قد عقدوا العزم على إهلاكهم، ومن أجل ذلك اجتازوا الطريق
(*) تلا جعفر على النجاشي سورة مريم من أولها إلى قوله تعالى: «فأشارت اليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا. قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا. وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا. وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا. والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا.» (المعرب)