السلم ما عجز عن تحقيقه أيّ نصر في ساحة القتال، مهما عظم.
ولقد اعتبره الرسول بشيرا بمنجزات رائعة، وعدّل برنامج نشاطاته وفق ذلك. فلم يكد يرجع من الحديبية حتى دعا المسلمين كلهم إلى اجتماع عام، وأوضح لهم ان الاسلام قد جاء رحمة للناس كافة.
وان الوقت قد حان لحمل رسالة الاسلام إلى كل حدب وصوب، إلى ملوك الممالك المجاورة: قيصر رومة، وكسرى فارس، وعزيز مصر، ونجاشيّ الحبشة، وبعض الزعماء العرب، ودعوتهم إلى الدخول في دين الله. ومن هذه الرسائل لم يكتشف في الفترة الأخيرة غير تلك التي وجّهت إلى المقوقس، ملك مصر، محفوظة في نصها الاصلي حتى يوم الناس هذا. وتقول الرواية أيضا ان المقوقس عني بصيانة الرسالة ضمن علبة حليّ نفيسة. ولقد نشر اليوم نصّها الاصلي، فاذا به ينطبق انطباقا حرفيا على ما أوردته الرواية.
والحق ان المقوقس رحب بموفد الرسول ترحيبا عظيما، وأرسل إلى الرسول أيضا بعض الهدايا، على الرغم من انه لم يدخل في الدين الجديد. وقد اشتملت تلك الهدايا على بغلة [بيضاء] يركبها الرسول شخصيا، وعلى جاريتين اثنتين تزوّج الرسول احداهما، واسمها مارية، وبذلك ارتقت من وضع جارية مملوكة إلى مرتبة ملكة. أما الجارية الأخرى، [وتدعى سيرين] ، فقد [أهداها الرسول] إلى حسان [بن ثابت] الشاعر فتزوّجها.
وبعث الرسول دحية [بن خليفة] الكلبي بكتاب إلى قيصر الروم.
واتفق أن كان ابو سفيان آنذاك في الشام بعد أن ساق قافلته التجارية إلى هناك. فاستدعاه قيصر إلى بلاطه، وسأله عن الرسول. وفي الجواب عن مختلف الاسئلة التي وجّهت إلى ابي سفيان شهد، برغم انه كان لا يزال عدوا للاسلام لدودا، بصدق الرسول واستقامته.
لقد قال إن الرسول يتحدّر من اسرة عريقة، وان أتباعه يتعاظم