الرسول والمسلمون الآن آمنين في المدينة، وأخذوا يكتسبون سلطانا ونفوذا متعاظمين على نحو مطّرد، فطبيعيّ أن تعجز قريش عن الوقوف مكتوفة اليدين.
وكان عبد الله بن أبيّ- أحد وجوه المدينة البارزين- يتمتّع بنفوذ ضخم هناك. وقبل هجرة الرسول كان أهل المدينة يعتبرونه سيّدهم الأعلى. فغير مستغرب ان يستشعر هذا الرجل، حين وفد الرسول على المدينة ليكسف شخصيته، حسدا للمسلمين وحقدا عليهم. وحرّضته قريش أيضا على طرد المسلمين من هناك. ولكن عددا كبيرا من أفراد قبيلته كانوا قد انضووا تحت راية الاسلام.
ومن هنا كان خليقا بكل محاولة لمقاومة الرسول على نحو علنيّ أن تفضي إلى نشوب حرب أهلية بين أبناء شعبه. حتى إذا خابت آمال قريش في عبد الله بن أبيّ شرعت تحرّض سكان الرقعة الممتدة ما بين مكة والمدينة على الرسول والمسلمين. وكان القرشيون، بوصفهم سدنة الكعبة المقدسة، يتمتعون بالاحترام في بلاد العرب كلها. وهكذا كانوا في وضع يمكّنهم من ان يفرضوا على القبائل إرادتهم وسلطانهم إلى حدّ غير يسير. والحق ان نجاح الدعاية القرشية بين هذه القبائل حمل المسلمين على أن يأخذوا حذرهم من جديد. فقد كانوا محاطين بالاعداء من أقطارهم جميعا، وحتى ضمن جدران المدينة الاربعة تكوّن ضدهم تيار معارضة خفيّ عميق كان عبد الله بن أبيّ هو مطلقه. وعلى الرغم من الميثاق فلم يكن في مستطاع المسلمين ان يثقوا باليهود. لا، ولم يكن في امكانهم الركون إلى عبد الله بن أبيّ. وهكذا استشعر المسلمون قلقا بالغا على سلامتهم. لقد خافوا، أن يأتيهم الهجوم، كل لحظة، من خارج، وأن تفجأهم الخيانة من داخل.
وكان من دأب بعض المفارز القرشية الصغيرة أن تنطلق في حملات سلب ونهب وأن تطوّف في البلاد حتى أرباض المدينة نفسها. وذات