اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 404
رد أدلة أصحاب الرأي الثاني:
يرد الجمهور أدلة الرأي الثاني أيضا، ويرون أن آية الإسراء ذكرت الغاية بالمسجد الأقصى مراعاة لحال المستمعين، حتى يؤمنوا بالإسراء؛ لأنه الأقرب إلى عقولهم، وأيسر لهم في التصور عن المعراج؛ لأنهم إذا صدقوا بالإسراء، وسلموا بصدق محمد صلى الله عليه وسلم أخبرهم بعد ذلك بما هو أعظم منه، وهو "المعراج"؛ ولذلك نزلت آيات المعراج في سورة النجم بعد آية الإسراء.
وهكذا يرد الجمهور أدلة مخالفيهم، فيترجح رأيهم برجحان أدلتهم..
التوفيق بين الآراء ورد الاختلاف:
ويجب أن أشير هنا إلى ما ذكرته سلفا في ص396 من أن الإسراء وقع لرسول الله صلى الله عليه وسلم مرتين: مرة في اليقظة، ومرة في المنام، يرفع التعارض الظاهر في الأقوال الثلاثة، يقول الحافظ ابن حجر: إن قيل بتكرر الإسراء فلا إشكال، وأن المرة الأولى كانت مناما لتسهيله وتخفيف وطأته، وأن المرة الثانية كانت يقظة بعد التوطئة والتقديم؛ رفقا من الله بعبده، وتسهيلا عليه، كما حدث في أول الوحي؛ إذ بدأ بالنبوة وثنى بالرسالة.
وعلى هذا تصدق الآراء الثلاثة، فمن قال بالإسراء الروحاني، اعتمد على وقوع الإسراء في المرة الأولى، ومن قال بالإسراء الجسدي، اعتمد على وقوع الإسراء في المرة الثانية، ومن قال بالإسراء البدني، والمعراج الروحي أخذ من المرة الأولى المعراج، ومن المرة الثانية الإسراء.
يقول السهيلي: وهذ القول هو الذي يصح، وبه تتفق الأخبار، فالرواة جميعا ثقاة عدول، لا سبيل إلى تكذيب بعضهم أو توهينه[1].
يقول ابن كثير: ونحن لا ننكر وقوع منام قبل الإسراء، فيه صورة ما وقع بعد ذلك؛ فإنه صلى الله عليه وسلم كان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، وقد تقدم مثل [1] الروض الأنف ج2 ص150.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المكي المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 404