اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 189
رابعًا: سماحته صلى الله عليه وسلم
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجاوب مع جلسائه، ويتساهل معهم، ويشاركهم الحال والقال، فإذا تحدثوا بأمر شاركهم في حديثهم ما لم يكن إثمًا.
فعن خارجة بن زيد رضي الله عنه أن نفرًا دخلوا على أبيه زيد بن ثابت رضي الله عنه فقالوا: حدثنا ببعض حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
فقال: وما أحدثكم؟ كنت جاره صلى الله عليه وسلم فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إليّفآتيه، فأكتب الوحي، فكنا إذا ذكرنا الدنيا ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الآخرة ذكرها معنا، وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا، كل هذا أحدثكم عنه صلى الله عليه وسلم.
وروى الإمام أحمد عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم طويل الصمت، قليل الضحك، وكان أصحابه يذكرون عنده الشعر وأشياء من أمورهم في الجاهلية فيضحكون، وربما تبسم معهم[1].
وروى مسلم عن سماك بن حرب قال: قلت لجابر بن سمرة رضي الله عنه: أكنت تجالس رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
فقال جابر: نعم كثيرًا! كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقوم من مصلاه الذي يصلي فيه الصبح حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، وكانوا يتحدثون فيأخذون في أمر الجاهلية فيضحكون، ويبتسم صلى الله عليه وسلم[2].
يقول عبد الله بن زيد: ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم[3]. ويقول عبد الله بن الحارث: ما كان ضحك رسول الله إلا تبسمًا[4].
وكان صلى الله عليه وسلم يمزح مع أصحابه، لإدخال السرور عليهم، ليباسطهم، وليهتدوا بهديه، ويتخلقوا بخلقه، فلو أنه صلى الله عليه وسلم ترك الطلاقة مع أصحابه، والمباسطة معهم، ولزم العبوس، والانقباض، لألزم الصحابة أنفسهم بذلك، وكذلك التابعون من بعدهم، فمزح صلى الله عليه وسلم ليمزحوا، ولكنه صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه لا يقول في مزاحه إلا حقا، فلا يأتي بباطل ولا بعبث أو بلعب.
وفي الصحيحين عن أنس رضي الله عنه قال: إن كان النبي صلى الله عليه وسلم ليخالطنا -أي ليلاطفنا ويمازحنا- حتى يقول لأخ لي:
"يا أبا عمير ما فعل النغير"[5].
يروي الإمام أحمد بسنده عن أنس رضي الله عنه أن رجلً من أهل البادية كان اسمه [1] بغية الرائد في تحقيق مجمع الزوائد باب في حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ج8 ص578. [2] صحيح مسلم بشرح النووي. ك الفضائل. باب تبسمه صلى الله عليه وسلم ج15 ص176. [3] سنن الترمذي باب في بشاشة النبي صلى الله عليه وسلم ج5 ص601 والحديث حسن غريب. [4] سنن الترمذي باب في بشاشة النبي صلى الله عليه وسلم ج5 ص601. [5] سنن الترمذي باب في المزاح ج4 ص357.
اسم الکتاب : السيرة النبوية والدعوة في العهد المدني المؤلف : غلوش، أحمد أحمد الجزء : 1 صفحة : 189