اسم الکتاب : السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة المؤلف : العمري، بريك الجزء : 1 صفحة : 156
إن تخير رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الصحابي المغوار لهذه المهمة البابغة الصعوبة يعطي دلالة واضحة على معرفته عليه الصلاة والسلام الشديدة برجاله حيث كان يكل لكل منهم المهمة التي تناسب وضعه وإمكانيته، يعني الرجل المناسب في المكان المناسب، وهو عمل قائم على التخطيط السليم والدقة في الاختيار وكون رسول الله صلى الله عليه وسلم يختار لهذه السرايا بعض رجاله لا يعني بالضرورة أن بقية الصحابة لا يصلحون لهذه المهمات، فهم جميعا كانوا لا يهابون الموت بل ويتحرقون دائما للشهادة في سبيل الله، ولكن المواقف الحساسة التي تمر بها مثل هذه السرايا تتطلب رجالا فيهم صفات مميزة كعبد الله بن أنيس، وعبد الله بن رواحة، وعبد الله بن عتيك، ومحمد بن سلمة، وعمرو بن أمية وغيرهم رضوان الله عليهم أجمعين.
ولنستمع إلى الحوار التالي الذي دار بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين عبد الله بن أنيس رضي الله عنه والذي يعتبر من دلائل نبوته عليه الصلاة والسلام كما يوضح صفة ذلك الأعرابي المخيفة والتي كانت تؤثر حتى في أشد الرجال صرامة وقوة أمثال عبد الله بن أنيس، والذي تبين من خلال هذا الحوار مدى ما كان يتمتع به من رباطة جأش وقوة شكيمة، حيث تحددت أبعاد المهمة الخطيرة التي أنيطت به.
قال عبد الله: "دعاني رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، فقال: "إنه قد بلغني أن خالد بن سفيان بن نبيح يجمع لي الناس ليغزوني وهو بعرنة[1]، فأْته فاقتله، قلت: يا رسول الله انعته لي[2] حتى [1] وادي عرنة: هو الوادي الفحل الذي يخترق أرض المغمس، فيمر بطرف عرفة من الغرب عند مسجد نمرة ثم يجتمع مع وادي نعمان غير بعيد من عرفة ثم يأخذ الواديان اسم عرنة، فيمر جنوب مكة على حدود الحرم، ثم يُغرب حتى يفيض في البحر جنوب جدة على قرابة 30 كيلا وهو من الأودية الفحول ذات السيول الجارفة وزراعته قليلة، فيه زرائع على الضخ الآلي، وبطن عرنة هو بطن الوادي الذي فيه مسجد عرفة. قال ابن المواز: حائط مسجد عرفة القبلي على حد عرنة، ولو سقط ما سقط إلا فيها. البكري، معجم (4/1191) ، والبلادي، معجم (205) . [2] أي: صفه لي.
اسم الکتاب : السرايا والبعوث النبوية حول المدينة ومكة المؤلف : العمري، بريك الجزء : 1 صفحة : 156