ورأى الزناة بين أيديهم لحم سمين طيب إلى جنبه لحم غث منتن، يأكلون من الغث المنتن، ويتركون الطيب السمين.
ورأى النساء اللاتي يدخلن على الرجال من ليس من أولادهم، رآهن معلقات بثديهن.
ورأى عيرا من أهل مكة في الإياب والذهاب، وقد دلهم على بعير ندّ لهم، وشرب ماءهم من إناء مغطى وهم نائمون، ثم ترك الإناء مغطى، وقد صار ذلك دليلا على صدق دعواه في صباح ليلة الإسراء [1] .
قال ابن القيم: فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومه أخبرهم بما أراه الله عز وجل من آياته الكبرى، فاشتد تكذيبهم له وأذاهم واستضرارهم عليه، وسألوه أن يصف لهم بيت المقدس، فجلاه الله له، حتى عاينه، فطفق يخبرهم عن آياته، ولا يستطيعون أن يردوا عليه شيئا، وأخبرهم عن عيرهم في مسراه ورجوعه، وأخبرهم عن وقت قدومها، وأخبرهم عن البعير الذي يقدمها وكان الأمر كما قال، فلم يزدهم ذلك إلا نفورا، وأبى الظالمون إلا كفورا [2] .
يقال: سمي أبو بكر رضي الله عنه صديقا لتصديقه هذه الوقعة حين كذبها الناس [3] .
وأوجز وأعظم ما ورد في تعليل هذه الرحلة هو قوله تعالى: لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا [الإسراء: [1]] وهذه سنة الله في الأنبياء، قال: وَكَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ، وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ [الأنعام: 75] وقال لموسى: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى [طه: 23] وقد بين مقصود هذه الإرادة بقوله: وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فبعد استناد علوم الأنبياء إلى رؤية الآيات يحصل لهم من عين اليقين ما لا يقادر قدره، وليس الخبر كالمعاينة، فيتحملون في سبيل الله ما لا يتحمل غيرهم، وتصير جميع قوات الدنيا عندهم كجناح بعوضة لا يعبأون بها إذا ما تدول عليهم بالمحن والعذاب.
والحكم والأسرار التي تمكن وراء جزئيات هذه الرحلة إنما محل بحثها كتب أسرار الشريعة، ولكن هنا حقائق بسيطة تتفجر من ينابيع هذه الرحلة المباركة وتتدفق إلى حدائق [1] المصادر السابقة وابن هشام 1/ 397، 402، 403، 404، 405، 406. [2] زاد المعاد 1/ 48، وانظر أيضا صحيح البخاري 2/ 684، وصحيح مسلم 1/ 96، وابن هشام 1/ 402، 403. [3] نفس المصدر الأخير 1/ 399.