فلما بعد نادى مناد: قد أمضيت فريضتي وخففت عن عبادي- انتهى [1] .
ثم ذكر ابن القيم خلافا في رؤيته صلى الله عليه وسلم ربه تبارك وتعالى، ثم ذكر كلاما لابن تيمية.
بهذا الصدد، وحاصل البحث أن الرؤية بالعين لم تثبت أصلا وهو قول لم يقله أحد من الصحابة. وما نقل عن ابن عباس من رؤيته مطلقا ورؤيته بالفؤاد فالأول لا ينافي الثاني.
ثم قال: وأما قوله تعالى في سورة النجم: ثُمَّ دَنا فَتَدَلَّى [النجم: 8] فهو غير الدنو الذي في قصة الإسراء، فإن الذي في سورة النجم هو دنو جبريل، وتدليه، كما قالت عائشة وابن مسعود، والسياق يدل عليه، وأما الدنو والتدلي في حديث الإسراء فذلك صريح في أنه دنو الرب تبارك وتعالى وتدليه، ولا تعرض في سورة النجم لذلك، بل فيه أنه رآه نزلة أخرى عند سدرة المنتهى. وهذا هو جبريل، رآه محمد صلى الله عليه وسلم على صورته مرتين:
مرة في الأرض، ومرة عند سدرة المنتهى. والله أعلم [2] انتهى.
وقد وقع حادث شق صدره صلى الله عليه وسلم هذه المرة أيضا، وقد رأى ضمن هذه الرحلة أمورا عديدة:
عرض عليه اللبن والخمر، فاختار اللبن، فقيل: هديت الفطرة أو أصبت الفطرة، أما إنك لو أخذت الخمر غوت أمتك.
ورأى أربعة أنهار في الجنة: نهران ظاهران، ونهران باطنان، والظاهران هما: النيل والفرات، ومعنى ذلك أن رسالته ستتوطن الأودية الخصبة في النيل والفرات، وسيكون أهلها حملة الإسلام جيلا بعد جيل، وليس معناه أن مياه النهرين تنبع من الجنة.
ورأى مالك خازن النار، وهو لا يضحك، وليس على وجهه بشر وبشاشة، وكذلك رأى الجنة والنار.
ورأى أكلة أموال اليتامى ظلما لهم مشافر كمشافر الإبل، يقذفون في أفواههم قطعا من نار كالأفهار، فتخرج من أدبارهم.
ورأى أكلة الربا لهم بطون كبيرة، لا يقدرون لأجلها أن يتحولوا عن مكانهم، ويمر بهم آل فرعون حين يعرضون على النار فيطأونهم. [1] زاد المعاد 2/ 47، 48. [2] زاد المعاد 2/ 47، 48، وانظر صحيح البخاري 1/ 50، 455، 456، 470، 471، 481، 548، 549، 550، 2/ 684، وصحيح مسلم 1/ 91، 92، 93، 94، 95، 96.