responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 32
ويعرف مطالبه وضروراته، ويقدر هذه وتلك: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا} [1]. {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم} [2]. ويعرف ضعفه إزاء المغريات: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [3]. وضعفه إزاء التكاليف: {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا} [4].
يعرف كل ذلك فيساير فطرته في واقعها، ولا يفرض عليه من التكاليف ما ينوء به كاهله ويعجز عن أدائه: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [5]. ويجعل التكليف الملزم في حدود الطاقة الممكنة. ولكنه مع ذلك لا يتركه لفطرته الضعيفة دون تقويم، فتظل تهبط وتتراجع عن موقفها إلى موقف دون.
كلا! إنه في واقعيته يأخذ الواقع الأكبر للإنسان، الواقع الذي يشمل لحظة الضعف ولحظة القوة. لحظة الهبوط ولحظة الارتفاع.
إن مزية الإنسان الكبرى هي هذا الاستعداد الدائم للصعود. الاستعداد لأن يتفوق على نفسه، ويرتفع على "الواقع" ليبلغ المثال. وقد لا يبلغه في كل مرة. بل قد لا يبلغه في أية مرة! ولكنه يظل يحاول -ما دام يوجه إلى الطريق- وفي محاولته تلك يرتقي ويرتفع في الآفاق.
وتمر على هذا الإنسان لحظات معجزة يحقق فيها انتصارات رائعة على نفسه وعلى كل قوى الأرض المحيطة به، ذلك حين يرتفع إيمانه بالطاقات التي وهبها له الله، فيحاول أن يحقق كيانه كاملًا كما أراده له الله.
وهذه اللحظات "واقع" وإن كانت هي "المثال".
والإسلام -وهو يجاري واقع الفطرة بما فيه من ضعف وطاقة محدودة- لا يفغل عن تلك الطاقة المكنونة التي تحقق المثال. ومن ثم يسير في نهجه على واقعية تشمل المثال في أطوائها، ومثالية لا تغفل واقع الحياة!

[1] سورة البقرة 286.
[2] سورة التغابن 16.
[3] سورة آل عمران 14.
[4] سورة النساء 28.
[5] سورة الحج 78.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 32
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست