اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 208
الوصول إليها والنفس في راحتها وأمنها وطمأنينتها، مسترخية، أو منطلقة في تأمل رخي.
وصحيح أن بعض حالات الوجد والانفعال الروحي في العبادة لها من الحرارة ما يحدث هذا الانصهار في النفس. ولكنها حالات نادرة لا يقدر عليها إلا الأقلون. أما الحادثة -بقوتها المفروضة على النفس من الخارج- فهي تحدث هذا الانصهار بلا إرادة ولا وعي، ولا رغبة ذاتية في الوصول إلى هذه الدرجة العليا من الإحساس. ومن ثم فهي أقرب تأثيرًا في جموع الناس الذين لا يصلون بذاتهم إلى درجة الانصهار.
والمثل يقول: اضرب والحديد ساخن! لأن الضرب حينئذ يسهل الطرق والتشكيل. أما إذا تركته يبرد فهيهات أن تشكل منها شيئًا ولو بذلت أكبر الجهود.
لذلك كان استغلال الحادثة و"الحديد الساخن" مهمة كبيرة من مهام التربية، لينطبع على النفس في حالة انصهارها ما يريد المربي أن يطبعه من التوجيهات والتهذيبات، فلا يزول أثرها أبدًا. أو لا يزول من قريب.
ولقد قام القرآن -وهو يربي الأمة الإسلامية في منشئها- باستغلال الأحداث في تربية النفوس استغلالًا عجيبًا عميق الأثر، كان من نتيجته تلك الأمة العجيبة الفريدة في التاريخ كله. الأمة التي شهد لها خالقها فقال: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} .
ويبدو لأول وهلة فارق رئيسي بين التربية بالأحداث في مكة، والتربية بالأحداث في المدينة. في العهد المكي كان التوجيه إلى الصبر على الأذى، واحتمال المكروه. ومغالبة النفس على هذا الاحتمال. وفي العهد المدني كان التوجيه إلى رد العدوان، ومجابهة المعتدين بالقوة، ورفض الخضوع والمذلة وإباء الضيم.
وجهان متقابلان. ولكني أرى أنهما يهدفان إلى هدف واحد!
التجرد الخالص لله. والتوازن الذي يحدثه هذا التجرد في داخل النفس.
ولكي تحدث التوازن فإنك "تضغط" مرة من ناحية اليمين ومرة من ناحية الشمال حتى يستوي لك التوازن المطلوب!
كان في العرب عنجهية بالغة واعتزاز عنيف بالذات. في الحق أو الباطل
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 208