اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 198
قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ، وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ} [1].
تلك وأمثالها لحظات "ضعف بشري" يعرضها القرآن دون مداراة على أصحابها. ولكنه لا يصنع منها بطولة. لأنها في الحقيقة ليست كذلك! وقصة آدم ذاتها من الأمثلة التي يتبين فيها المنهج القرآني، ويتبين إلى أي مدى يختلف هذا المنهج بوضوحه ونصاعته واستقامته عن المنهج الأوربي الذي يصنع من لحظة الضعف بطولة!
إنها -كما أسلفنا- لحظة ضعف أصابت آدم "فنسي". نسي نفسه وعهده مع ربه، وخلافته الراشدة، وجنح إلى شهوة من شهواته فاستزله الشيطان منها، وقاده من مقودها.
هكذا يعرضها القرآن، وهكذا تتبدى في الحقيقة البشرية الواقعة على مدار الأجيال والقرون. ولكن الآداب الأوربية بما فيها من انحراف وتعثر، تعرضها على أنها مفخرة لآدم وبطولة! إن لحظة العصيان هي اللحظة التي حقق فيها آدم كيانه وأصبح سيد نفسه! وهي اللحظة التي أصبح فيها القوة المسيطرة الفعالة. ولتذهب إلى الإبد تلك الجنة التي كان فيها آدم، فإنها لا تساوي شيئًا إزاء تحقيق الإنسان لكيانه وذاتيته، واختياره مصيره بنفسه، بحرية، بعيدًا عن وصاية الله!
كذلك تعرضها الآداب الأوربية المنحرفة المنقطعة عن هدى الله، المتأثرة في صميمها بما رسب في كيانها من أساطير اليونان القديمة التي تصور الصراع الدائم بين البشر والآلهة, وتتمنى انتصار البشر على الآلهة الظالمين الطغاة[2].
وهي آداب ذات إيحاء خبيث لا يخفى. فهي توحي للناس بعصيان ربهم والإغراق في الشهوات لكي يحققوا ذواتهم! كأنما الطريق الوحيد لإثبات الذات هو الشهوات والعصيان! وكأنما الطاعة لله هي انعدام الشخصية وزوال الكيان! إنها نظرة -فوق ما فيها من مرض وانحراف- فجة تعيش في مستوى [1] سورة القصص 15-22. [2] راجع الحديث عن أسطورة برمثيوس في فصل "تربية العقل".
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 198