اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 185
في قلبه كل شخص يلقي إليها نفسه ويفتح لها مشاعره، فتنتفض حية شاخصة كأنه يلمسها في العيان.
وليس ذلك بدعًا في واقع النفوس وواقع الحياة.
إن الأمم تعيش أجيالًا على سير أبطالها المحليين الصغار، الذين يلبون حاجة جيل معين في بيئة معينة في بقعة من الأرض محدودة. وكلما ارتفع "البطل" في مقياس الإنسانية كانت حياته أشمل وأطول، وأخلد على مر الأزمان ... فكيف بداعي السماء للأرض؟ كيف بالآية الكونية التي تشمل كيان الحياة؟
لقد بعثه الله للناس كافة وللعالمين. وهو أعلم حيث يجعل رسالته. وأعلم بمن خلق. وهو اللطيف الخبير. وقد جعله القدوة الدائمة للبشرية، يقبسون من نوره، ويتربون على هديه، ويرون في شخصه الكريم الترجمة الحية للقرآن، فيؤمنون بهذا الدين على واقع تراه أبصارهم محققًا في واقع الحياة. وكان هذا تدبيرًا لله سبحانه، يكافئ تدبيره في تنزيل القرآن.
وإذ يجعل الإسلام قدوته الدائمة هي شخصية رسوله، فهو يجعلها قدوة متجددة على مر الأجيال. متجددة في واقع الناس.
إنه لا يعرض عليهم هذه القدوة للإعجاب السالب والتأمل التجريدي في سبحات الخيال[1].
إنه يعرضها عليهم ليحققوها في ذوات أنفسهم، كل بقدر ما يستطيع أن يقبس، وكل بقدر ما يصبر على الصعود. ومن ثم تظل حيويتها دافقة شاخصة، ولا تتحول إلى خيال مجرد تهيم في حبه الأرواح دون تأثر واقعي ولا اقتداء.
والإسلام يرى -كما أشرنا في أول الفصل- أن القدوة أعظم وسائل التربية، فيقيم تربيته الدائمة على هذا الأساس. لا بد للطفل من قدوة في أسرته ووالديه لكي يتشرب منذ طفولته المبادئ الإسلامية وينهج على نهجها الرفيع. ولا بد للناس من قدوة في مجتمعهم تطبعهم بطابع الإسلام وتقاليده النظيفة لكي يحملوا الأمانة لمن يربونهم من الأجيال، ولا بد للمجتمع من [1] انظر مقدمة كتاب "قبسات من الرسول".
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 185