اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 183
ويعودهم ويزورهم ويعينهم ويمنحهم من مودته وعطفه ما يشغل رجلًا إنساني القلب يهب حياته كلها لشئون الناس.
وعابد متحنث لربه، كرجل منقطع للعبادة، متخصص لأدائها، لا تصله بالأرض رابطة، ولا يشغله هم من الهموم، ولا تجيش في نفسه نوازع، ولا تتحرك في كيانه رغبات.
ومع ذلك كله فهو قائم على أعظم دعوة شهدتها الأرض. الدعوة التي حققت للإنسان وجوده الكامل. وتغلغلت في كيانه كله فمدته على أقصى اتساع.
عظمات.. لا تحد.
كل هذه الشخوص المتفرقة مجموعة في شخصه. مجموعة على تناسق وتوافق واتزان. كل منها يأخذ نصيبه كاملًا من نفسه ومع ذلك لا يميل، لأن طاقات أخرى عظيمة توازنه في كل اتجاه.
ذلك محمد بن عبد الله.. النور الكوني الذي بهر العالمين.
وحق للناس أن يحبوه كل ذلك الحب ويعجبوا به ويتبعوه.
ولقد كانت حكمة الله سبحانه من بعثه على هذه الصورة المتكاملة الشاملة العظيمة، كحكمته في إنزال القرآن على هذا النهج الشامل المعجز العظيم، فكان محمد -في كونه آية كونية- كفئًا لهذا القرآن.. وكان خلقه القرآن!
وكان قدوة للناس في واقع الأرض ... يرونه -وهو بشر منهم- تتمثل فيه هذه الصفات كلها وهذه الطاقات، فيصدقون هذه المبادئ الحية لأنهم يرونها رأي العين ولا يقرءونها في كتاب! ويرونها في بشر، فتتحرك لها نفوسهم, وتهفو لها مشاعرهم. ويحاولون أن يقبسوا قبسات من الرسول.. كل بقدر ما يطيق أن يقبس، وكل بقدر ما يحتمل كيانه الصعود. لا ييأسون ولا ينصرفون.. ولا يدعونه حلمًا مترفًا لذيذًا يطوف بالأفهام. لأنهم يرونه واقعًا يتحرك في واقع الأرض. ويرونه سلوكًا عمليًّا لا أماني في الخيال.
لذلك كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر قدوة للبشرية في تاريخها الطويل. وكان مربيًا وهاديًا بسلوكه الشخصي قبل أن يكون بالكلام الذي ينطق به، سواء في ذلك القرآن المنزل وحديث الرسول.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 183