اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 165
لا بد من إنسان متوازن في فرديته ومتوازن في ميله إلى الجماعة وتعوانه معها. وحينئذ يصبح المجتمع أشخاصًا حقيقيين لا أصفارًا ولا نكرات. أشخاصًا لهم وجود واقعي. متساندين في الوقت ذاته {صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [1]. وذلك هو ما يسعى إليه الإسلام.
وهو يصل إلى ذلك بوسائل شتى.
فأما الفردية.. الشخصية الاستقلالية.. الكيان الإيجابي القوي.. فينشئه الإسلام بربط القلب البشري بالله!
إن الإنسان ليتصل بربه.. فردًا!
هذه الصلة العميقة الوثيقة الساربة في أعماق النفس هي عند كل إنسان صلته الشخصية الفردية بالله!
وإن الإنسان ليستغرق أحيانًا في العبادة لله ويستغرق في الحب، إلى حد أن ينسى كل شيء في الوجود غيره هو وغير الله! ويخيل إليه في لحظة الاستغراق العميقة أن الوجود كله قد شف وراق. ثم خلا من كل شيء ومن كل أحد.. إلا قلبه الخافق.. والشعاع النوراني الذي يصل قلبه بالله!
في لحظة الاستغراق هذه يمتلئ الإنسان بالشحنة التي توجهه في الحياة.. توجهه فردًا إيجابيًّا له كيان. وإنها لتمنحه قوة عجيبة إزاء كل أحد وكل شيء وكل حدث[2]. إنه يحس أنه يحمل تلك القبسة النورانية المقدسة. القبسة التي احتملها كيان الإنسان الأول الذي خلقه الله من طين الأرض ونفخ فيه من روحه. ومن ثم فهو قوي فعال مريد متصرف. فهو لا يخضع لغير الحق الذي أنزله الله. ولا يرضى بأن يخنع ويستنيم ويصبح سلبيًّا إزاء ما حوله من قيم أو أشخاص أو قوة مادية. لأنه يحس وجوده الفردي ذلك المشحون بتلك القبسة من الله، مكافئًا لهذه القوى جميعها، بل مستعليًا عليها في داخل نفسه, ولو هزمت قوته المادية المحدودة فترة من الزمان!
ولهذا السبب ذاته تكره الدكتاتوريات الأديان! إنها من ناحية لا تطيق أن يكون الولاء لأحد غير الدكتاتور! ومن ناحية أخرى لا تطيق أن يكون [1] سورة الصف 4. [2] انظر بعد ذلك "السلبية والإيجابية" في نهاية هذا الفصل.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 165