responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 163
النظم والترتيبات بحجة أنها أعرف منهم بمصالحهم. فتعين لهم أعمالهم، وأماكن إقامتهم، كما تعين لهم أفكارهم ومشاعرهم وطريقة إحساسهم. بالأمر. ولا تترك لهم سبيلًا للاختيار. وتحكمهم بالحديد والنار والتجسس، وتعتبر كل نصيحة للدولة أو القائم عليها خيانة تعاقب "بالتطهير" لأنها نزعة فردية آثمة، موجهة ضد كيان الجماعة المقدس، من فرد لا قداسة له في ذاته ولا كيان!
والفلسفات كذلك تخبطت كثيرًا في هذه الأمور. ولم يستطع كثير منها أن يخلص إلى حقيقة بديهية بسيطة، يؤيدها الواقع المشهود.
إن هذه الفلسفات تفترض أنه إذا كان الإنسان فردي النزعة فالمجتمع إذن مفروض عليه من خارج نفسه متحكم فيه بغير إرادته، ضاغط على كيانه، محطم لشخصيته، ومن ثم فهو مكروه. وتفتيته وتفكيكه حلال!
أو ... أن النزعة الجماعية هي الأصل. فالطفل يولد ضعيفًا لا حول له ولا قوة ... ولا كيان.. ولولا وجوده في الجماعة ما استطاع أن ينمو وأن يعيش.. وهو في حاجة دائمة للجماعة لكي يستمر في وجوده. وإذن فالنزعة الفردية رجس ينبغي أن يقاوم.. ينبغي أن تسحق هذه الرغبة وأن تزال!
لماذا؟!
إن هذه الفلسفات لا تنتبه إلى الطبيعة المزدوجة في هذا الكائن البشري.
التي تبدو متناقضة حين ينظر إليها من السطح. ولكنها مع ذلك مترابطة. وهي تؤدي مهمتها في حياة الكائن البشري بتناقضها ذلك وترابطها. كما يؤدي مهمته الحب والكره، والرجاء والخوف، والسلبية والإيجابية، والحسية والمعنوية، والإيمان بالواقع والإيمان بما وراء الواقع.. ويخرج لنا في النهاية مخلوق متعدد الجوانب موحد الكيان!
إن في صميم الفطرة هذين الخطين.. كل منهما حقيقة. وكل منهما أصيل. والتناقض يحدث في باطن النفس، كما يحدث الاضطراب في واقع الحياة، حين تزيد النسبة المقررة لكل واحد فينحرف عن مساره، ويعتدي على مسار الآخر ويشده إليه. أما حين يأخذ كل منهما مداره الصحيح. فلن يحدث التنافر بين الفرد والجماعة أو يحدث الشقاق.
وحقيقة إنها مهمة عسيرة. ولكنها ليست مع ذلك مستحيلة.

اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 163
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست