اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 158
وقد وصل الغرب في نكسته من عدم الإيمان بالروح، وعدم الإيمان بالله واليوم الآخر. وصل إلى الدرك الذي لا هبوط بعده، ولا ارتكاس دونه. وصل إلى الحيوانية الكاملة في كل شيء. في الأخلاق وفي السياسة وفي كل مناحي الحياة. هذه الإباحية الخلقية التي تدنس وجه الأرض. هذه المذابح البشرية القائمة في كل مكان: حربان في ربع قرن والثالثة تنذر بالدمار الشامل الرهيب. هذا الصراع المجنون على متاع الأرض الحسي. هذه اللهفة الدائمة والقلق الدائم والاضطراب. هذا الشد والجذب الذي يفسد الأعصاب ويبدد الكيان. إنها النتيجة الحتمية لإنكار الله واليوم الآخر وإنكار الروح ... النتيجة الحتمية لمعاكسة الفطرة، وعدم الإيمان بما لا تدركه الحواس.
والإسلام -كلمة الله للناس- حاشا أن يقع في هذه الخطيئة. خطيئة معاكسة الفطرة، وسد منافذ النفس البشرية كلها إلا منفذ الحواس.
{الم، ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ، الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} [1].
أول صفة للمؤمنين هي أنهم يؤمنون بالغيب! وذلك حق من جميع نواحيه! قالله سبحانه بالنسبة للحواس البشرية "غيب" والمؤمنون يؤمنون بالله بالغيب، وإن كانت الروح -لا الحواس- تتصل به مباشرة بالطريقة التي فطرها الله عليها، وتحس إحساسًا بينًا بذلك الاتصال.
ومن جهة أخرى فالمؤمن هو الإنسان الكامل. الإنسان الذي يساوق فطرته كلها. والذي يلبي من هذه الفطرة إيمانها بما لا تدركه الحواس، وهو الجانب الذي تدركه الأرواح.
وقد جعل القرآن الإيمان بالغيب قاعدة الإيمان كله، وقاعدة الحياة البشرية كلها، لأنه لا يستقيم في الواقع وجود للإنسانية بغير هذا الإيمان، كما رأينا في الجاهلية الأوربية في هذا الزمان!
ولكنه لم يقصر الإيمان بالغيب على الله سبحانه واليوم الآخر والملائكة، وهي قواعد العقيدة التي لا بد منها لصلاح الأمور على الأرض، بلي أعطى تلك الطاقة الإيمانية غذاء آخر خصيبًا في ذكر الجن والشيطان. [1] سورة البقرة 1-3.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 158