responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 152
فالجاهلية الحديثة التي يعيش بها الناس في القرن العشرين، تجنح رويدًا رويدًا إلى إهمال هذه الطاقة التي هي إنسانية بصفة خاصة، وتكبير الطاقة الأخرى المشتركة بين الإنسان والحيوان.
إن الجاهلية الحديثة لا تستغل الطاقة المعنوية إلا في مجال واحد. مجال "العلم" بنظرياته وتطبيقاته. إنه ولا شك مجال ضخم. وإنه ليفتح آفاقًا جبارة كل يوم، ويدفع بالبشرية -في هذا المجال- إلى الأمام. ولكن مجال هذه الطاقة أوسع بكثير من ميدان العلم. إنه يشمل كذلك الفن. والعقيدة والفضائل. والأخلاق. والقيم العليا. يشمل أرفع جوانب الإنسان.
والفن في العالم الحديث رغم إمكانياته الضخمة يتدهور كل يوم وينحدر بدعوى "الواقعية" التي تحدثنا عنها في الفقرة السابقة. واقعية المادة وواقعية الحيوان. ومن ثم يفقد رفرفته وطلاقته، ونشدانه الدائم للجمال والكمال.
أما العقيدة وما يشع عنها من فضائل وأخلاق وقيم عليا. فقد ظلت تتضاءل في العالم الحديث بتأثير الجاهلية المسيطرة عليه، حتى صارت أسطورة يتندر بها الناس.. ويضحكون.. ويهزءون! تمامًا كما كانوا في جاهليتهم الأولى. وكما يكونون في كل لحظة يتخلون فيها عن كيانهم الإنساني الأصيل، ويخلدون إلى الأرض وينحصرون في دنيا الحيوان: {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ، وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ} [1].
أما الإسلام فعلى عهده دائمًا، مساير للفطرة مرتفع معها إلى آخر ما تطيق الارتفاع، لا يتخلى عن مهمته مهما كانت الظروف. لا تيئسه الجاهلية التي يجد عليها الناس، فإنما جاء ليبدد الجاهلية وينشر المعرفة الصحيحة. وتلك مهمته الدائمة في حياة البشرية.
الإسلام يساير الفطرة بشقيها، فيعطي الطاقة الحسية غذاءها، ويمنح الطاقة المعنوية مجال العمل والإبداع.
كل لذائذ الحس مباحة ما دامت في الدائرة المأمونة النظيفة التي لا تضر

[1] سورة الأعراف 175-176.
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد    الجزء : 1  صفحة : 152
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست