اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 119
بها رغائبهم الجياشة وحيويتهم الفائضة، هي ذاتها التي يجاهدون بها الباطل ويصمدون في الجهاد!
إنها زهادة القوة لا زهادة اللامبالاة!
الأصل هو القوة. هو التمكن. هو الرغبة الدافقة في كل شيء. ومن بين صنوف هذه القوة، قوة "الضبط" التي يحكم بها الزاهدون رغائبهم، ويرتفعون عليها، ويمسكون في أيديهم القياد.
وعلى هذا النحو نفهم جانبًا من شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، وجانبًا من فكرة الإسلام.
كان الرسول صلى الله عليه وسلم راغبا في الحياة, قوي التمكن جادًّا في كل رغبة من رغائبه. كان يمشي وكأنما يتقلع من الأرض. وكان يأكل بشهية ورغبة. وكان يمارس نشاطه الجنسي في قوة وتمكن ومواظبة. نفس فياضة الحيوية، وكيان دافق الدفعات. طاقة قوية في منبعها، ومنبعثة بكل قوتها في جميع المجالات. وكان مع ذلك المحارب القوي، والمجاهد القوي، والمتعفف عن أي متاع يصرفه عن الجهاد!
وتلك هي النفس المتكاملة. تأخذ انطلاقها الكامل في كل اتجاه بقوة وإصرار وتمكن، وفي الوقت ذاته تخلع نفسها بقوة من كل متاع حين تريد. إنه التحرر القوي. وهو كذلك التحرر الحقيقي. التحرر الذي تتمثل فيه حرية الرغبة وحرية الامتناع. فلا تصبح الرغبة مالكة لقياد الإنسان توجهه كما تشاء وهو إليها منقاد. ولا يصبح الامتناع موتًا وتهاويًا وانخذالًا ولا مبالاة.
وذلك هو منهج الإسلام في تربية النفس. إنه لا يكبت رغائبها فيقتل حيويتها ويبدد طاقتها ويشتت كيانها. فلا تعمل، ولا تنتج ولا تصلح لعمارة الأرض وترقية الحياة. وفي الوقت ذاته لا يطلق رغائبها بلا ضوابط. لأن ذلك يبدد طاقتها من جانب آخر، يبددها في نشاط الحيوان وعلى مستوى الحيوان.
ووسيلته إلى ذلك -كما قلنا- هي "الضبط".
إنه يعمل على تربية القوة الضابطة وتنميتها منذ نعومة الأظفار.
يربي الأطفال منذ طفولتهم على بعض العادات التي "تضبط" سلوكهم فلا ينفلت عيارهم, ويعودهم على الامتناع عن بعض رغباتهم التي تزيد عن الحد. وهو لا يصل إلى ذلك باستخدام القسوة. فليس هدفه هو الانتقام من
اسم الکتاب : منهج التربية الإسلامية المؤلف : قطب، محمد الجزء : 1 صفحة : 119