responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها المؤلف : على أحمد مدكور    الجزء : 1  صفحة : 247
الرب ليس حاكم قوم ما، في ركن من أركان الأرض، وإنما هو مصرف هذا الكون كله: قال إبراهيم: {فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ} .. وهذه حقيقة كونية تطالع الأنظار والمدارك كل يوم دون تخلف أو تأخر، وهو تحد يخاطب الفطرة، ويتحدث بلسان الواقع الذي لا يقبل الجدل: {فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ} .
والمثال القادم هو مشهد حي مرسوم بالكلمات، والمشهد تجسيد لمشاعر رجل مر على قرية محطمة، فجال في شعوره سؤال حائر: كيف تدب الحياة في هذا الموات؟ {أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 259] .
إن المشهد هنا ليرتسم للحس قويا واضحا موحيا، مشهد الموت والبلى والخواء.. يرتسم بالوصف {وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا} محطمة على قواعدها، ويرتسم من خلال مشاعر الرجل الذي مر على القرية، هذه المشاعر المتجسمة في تعبيره: {أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا} كيف تدب الحياة في هذا الموات؟
{فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ} .
لم يقل له كيف، إنما أراه في عالم الواقع كيف، فالمشاعر قوية، وعنيفة لدرجة أنها لا يجب أن تعالج بالبرهان العقلي.. وإنما يكون العلاج بالتجربة الشخصية الذاتية المباشرة، التي يمتلئ بها الحس ويطمئن بها القلب، دون كلام!
{قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ} ، {قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ} .
وتبعا لطبيعة التجربة، وكونها تجربة حسية واقعية، فلا بد أن تكون هناك آثار محسوسة تصور مرور مائة عام، هذه الآثار لم تكن إلا في طعام الرجل وشرابه، فلم يكونا آسنين متعفنين: {فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ} .
{وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا} .

اسم الکتاب : مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها المؤلف : على أحمد مدكور    الجزء : 1  صفحة : 247
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست