اسم الکتاب : مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها المؤلف : على أحمد مدكور الجزء : 1 صفحة : 159
ثالثا: تفيد الآيات تكريم الإنسان إلى حد بعيد، إذ جعل الله قدره ينفذ بالإنسان عن طريق حركة الإنسان نفسه، وعلمه هو. وجعل التغير القدري في حياة الناس مبنيا على التغيير الواقعي في قلوبهم ونواياهم وسلوكهم العملي وأوضاعهم التي يختارونها لأنفسهم.
رابعا: إن الله يلقي على الإنسان تبعة عظيمة، تقابل التكريم العظيم الذي منحه له، فالإنسان وحده -دون كل خلق الله- يملك أن يستبقي نعمة الله عليه، وأن يزاد له عليها، إذا هو عرف فشكر، كما يملك أن يزيل هذه النعمة عنه إذا أنكر وبطر، وانحرفت نواياه، فانحرفت خطاه.
وهنا تظهر إيجابية الإنسانية في صياغته لمصيره -وفق الإرادة المطلقة لله "وتنتقي عنه تلك السلبية الذليلة التي تفرضها عليه المذاهب المادية، التي تصوره عنصرا سلبيا إزاء الحتميات الجبارة: حتمية الاقتصاد، وحتمية التاريخ، وحتمية التطور.. إلى آخر الحتميات التي ليس للكائن الإنساني إزاءها حول ولا قوة. ولا يملك إلا الخضوع المطلق لما تفرضه عليه وهو ضائع خانع مذلول"[1].
خامسا: إن هناك تلازما بين العمل والجزاء في حياة الإنسان ونشاطه الوجداني والعملي، فمن عدل الله المطلق أن جعل هذا التلازم سنة وقاعدة يجري بها قدره وإرادته: {وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا} .
سادسا: إن الإسلام عقيدة وشريعة، وشريعة الإسلام من عقيدته.. "بل إن شريعته هي عقيدته.. إذ هي الترجمة الواقعية لها"[2]. وهذا يعني أن إحياء الشريعة لا يمكن أن يحدث بصورة فعالة إلا بإحياء العقيدة أولا، فالمستوى الاعتقادي يجب أن يسبق في الإحياء المستوى التشريعي.
والخلاصة: أنه يمكن الخروج من هذه المناقشة بأمرين
الأمر الأول: إن تطبيق المجتمع لمنهج الله، دون فهم أصول الاعتقاد فهما صحيحا، والاقتناع بأصوله التشريعية في حكم الحياة، كثيرا ما يؤدي إلى نكسة للنظام كله، وإلى إلصاق تهم الضعف، والقصور، والبعد عن الحياة به، وهو منها بريء. وكثيرا ما تأتي هذه النكسات على يد هؤلاء المسلمين غير الفاهمين أو بواسطتهم.
الأمر الثاني: إن عملية بناء العقيدة الإسلامية في نفوس الناشئة. وتصحيح مفاهيمها نظريا وعمليا في نفوس الكبار، هي عملية مستمرة لا ينبغي أن تتوقف.
وأن هذا لا يمنع أن تقوم المجتمعات المسلمة الحاضرة بتطبيق مبادئ الشريعة في حياتها العملية بطريقة تدريجية ومتوازنة، ابتداء من المبادئ التي رسخت في ضمائر الناس وعقولهم. [1] محمد الغزالي: علل وأدوية، دمشق، دار القلم، 1405هـ-1985م، ص46. [2] سيد قطب: مقومات التصور الإسلامي، مرجع سابق، ص322-323.
اسم الکتاب : مناهج التربية أسسها وتطبيقاتها المؤلف : على أحمد مدكور الجزء : 1 صفحة : 159