ولذلك ورد في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (أن الرجل ينصب له ميزانه يوم القيامة، فتأتي أعمال كالغمامات، فيقول: يا رب.. ما هذا؟ يقال: سنن دعوتَ إليها، كتب لك أجر من عمل بها) [1] [89] ) .
فهذا عضل عظيم، وكم من كُرُبات تفرّج بالفتوى بإذن الله عز وجل، يأتيك السائل في ظلمات الليل قد قال لامرأته كلمة لا يدري أهي حلال، فيعيش معها ويبيت معها، أم هي حرام، فلا يستقرّ قراره حتى يسألك فتفتيه عن حكم الله عز وجل.
ويأتيك الرجل قد ضاقت عليه الأرض بما رحبت في مال لا يدري أحلال فيطعم، أو حرام فيجتنب ويحجم، حتى تبيّن له حكم الله عز وجل في ذلك.
فالفتوى مقام عظيم، ولذلك تشرّف به العلماء وزادوا به شرفاً وفضلاً حينما جاءهم الجليل والحقير والسوقةُ والأمير لكي يعرف حكم الله جلّ وعلا عنده، فالناس كلهم محتاجون إلى المفتي، علت مناصبهم أم نزلت، شرفت مراتبهم أو أهينت، كلهم محتاجون إلى حكم الله تعالى الذي يبينه المفتي، ولذلك تشرف به العلماء، حتى أثر عن بعضهم أنه تقلد الفتوى ما لا يقلّ عن أربعين عاماً، فلما حضرته الوفاة بكتْ ابنته، فقال لها: أتبكي عليّ وأربعون عاماً أوقع عنه، يعني: أتسيئين الظن أن الله يخيّبني وأنا أربعون عاماً أسد ثغر الفتوى لأهل الإسلام. [1] 89] ) لم أجده، وروى الحافظ ابن عبد البر في الجامع أثراً في معناه موقوفاً على إبراهيم النخعي برقم (224) . انظر الجامع (ص:209) ، تحقيق الأستاذ الزهيري.