فكم أُحيي من سنن المرسلين، وأُميتَ من بدع المضلين، حين تقلد الفتوى أئمة الدين، وكم انتشر من البدع والأهواء، وتنازعت الناس السبل، بسبب ضياع هذا الثغر العظيم.
ولذلك عدّ النبي صلى الله عليه وسلم هذه الرزية العظيمة حين قال: (حتى إذا لم يَبقَ عالمٌ، اتخذ الناس رؤساء جهالاً، فسئلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا) [1] [88] ) .
فما أعظمها من مصيبة على الأمة إذا تقلد الجهال هذا المقام، وما أعظمه من شرف، وما أجلّها من نعمة إذا وجد في الأمة العالم البصير الحاذق الذي يعرف حكم الله سبحانه وتعالى في النوازل والمشاكل.
وقد تسفك الدماء، وتنتهك الأعراض بسبب الخلاف في مسألة من مسائل الدين، حين لا يستطيع الناس أن يجدوا من يفصل بينهم في نازلة من النوازل.
فإن النفوس تحب الأموال، وقد تحب المناصب والمراتب، فيتنازع الناس في حلالها وحرامها، فيعيش الناس حياة الفوضى، حتى يأتي ذلك العالم البصير الخبير لكي يخبر عن حكم الله الحكيم الخبير في هذه النازلة، التي لولا أن الله لطف وهيأ لهم هذا العالم لانتهت بالناس إلى شرّ عظيم وبلاء عميم.
فالفتوى لها فضل عظيم. قال العلماء: إن الإنسان إذا تقلد الفتوى أجر على علمها والعمل بها.
فتصور أخي طالب العلم إذا خرجتَ إلى أمتك وقمتَ على هذا الثغر في بلدك، فأصبحت الناس تصدر عن رأيك في الحلال والحرام، يعملون به آناء الليل وأطراف النهار، وأجور امتثالهم لأمر الله في صحيفة عملك. [1] 88] ) متفق عليه من حديث عبد الله بن عمرو وعائشة - رضي الله عنهما -.