فمن فهّم نبي الله سليمان، ومن علّم نبي الله داود -عليهما الصلاة والسلام- قادر على أن يفهمك ويعلمك، وكم من طلاب علم كانوا على جاهلية، وبُعْدٍ من الله تبارك وتعالى، ولكنهم أحسنوا الظن بالله، فما مضت الأيام، ولا انقضت الأعوام، إلا وهم أئمة هدى ومشاعل خير، فأحسن الظن بالله جل جلاله وكن قوي العزيمة على طلب العلم.
فاصبر على طلب العلم، واحتسب البلاء الذي تجده، واحتسب عند الله ما يقال عليك أو يقال لك، فكما أن الإنسان قد يبتلى بالسب والشتم والأذى في عرضه، فقد يبتلى حتى بمدح الناس وثنائهم عليه، فإن الجاه والسمعة والشهرة قد تذهب حسناتك، بل قد تقتل الإنسان من حيث لا يدري، فما على الإنسان إلا أن يجاهد ويحتسب عند الله عز وجل أن يثّبته وأن يوفقه، ونسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يجعلنا وإياكم أئمة هدى، هداة مهتدين، غير ضالين ولا مضلين.
المَعْلَمْ الخامس: حفظ الوقت واغتنامه
فإضاعة الوقت من أعظم المصائب على طالب العلم، أعز شيء يملكه طالب العلم: الوقت، والذي يريد العلم يحفظ وقته.
وكان الوالد رحمه الله إذا ذكر عنده أحد -يعني من طلاب العلم- يقول: نِعْمَ طالب العلم؛ لأنه يراه حريصاً على وقته، وإذا رآه طالب علم كثير الزيارة للناس، كثير الاشتغال بفضول الدنيا، لا يعدّه طالب علم بحق؛ لأن مفتاح طلب العلم الحفاظ على الوقت.
أذكر أنه رحمه الله كان بمجرد ما يدخل البيت يستفتح -إن كان الوقت وقت صلاة- فيصلي ما كُتب له، لا أذكر أنه دخل وجلس على فراشه في حياتي كلها معه، فيدخل ثم ينقلب على كتبه، ويقرأ فيها ما شاء الله له أن يقرأ، حتى إنه في بعض الأحيان يستمرّ إلى قرابة منتصف الليل.
طالب العلم أعز شيء عنده: الوقت، خاصة إذا خرج في طلب العلم من مدينته إلى مدينة ثانية، ما ترك والديه، ولا ترك إخوانه ولا قرابته، ما تركهم عبثاً، ينبغي أن يحترق في قرارة قلبه على كل ساعة تضيع.