responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 398
فحققوا الوعيد على الموحدين، وخلدوا الفاسقين في النار، فجاوزوا حد المرجئة وزادوا عليهم، كما جاوزت المرجئة طريق أهل السنة وقصرت عنهم.
وكان شيخنا أبو محمد رحمه الله تعالى يقول: أهل البدعه كلهم يرون الخروج على السلطان، ويرون السيف على الأمة، ويكفرون الأئمة، فهذا أضر الوجوه في مجاورة الخوف عن قدره، وهو من التعدي لحدود الله تعالى وأمره (قد جعل الله لكل شيء قدرا - ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه) الطلاق: 3 فصدق الرجاء واعتدال الخوف به من نحقيقة العلم بالله تعالى، ومجاوزة الشيء كالتقصير عنه، والمؤمن حقا هو المعتدل بين الخوف والرجاء، فالخوف المتلف للنفس بالموت، أو المزيل للعقل بالفوت خير من هذا الوصف الذي هو القنوط، لأن هذا مزيل للعلم؛ ومسقط للمقام، موقع في الكبائر.
على أن هذين المقامين من الخوف، ليس فيهما علم ولا مشاهدة على الكشف، وإنما هو قوة وجد تصطلم مرارته فتوجد إتلاف النفس، ومحو العقل من عبد بمنزلة خوف الكروبيين خاصة من الأملاك أهل الكرب والتمكن، لأنهم لا ينقلون في المقامات التي يعدلون بها كمقربي الروحانيين.
وبلغني أن منهم جيلاً يخرج كل يوم من تحت العرش بعدد البشر، قد أقلقه الشوق وحقره الكرب، يريد النظر إلى وجه العلىّ الأعلى فيحرقهم شعاع سبحات وجهه الكريم سبحانه وتعالى، فيحترقون احتراق الفراش في المصباح، ثم يعود مثلهم من الغد، فهذا دأبهم إلى يوم القيامة، كل ملك لو جمع السموات والأرضين في كفة غابت في قبضته.
ولعمري إن سائر الملائكة لا ينقلون في المقامات كالمؤمنين، بل لكل ملك مقام معلوم لا ينتقل منه إلى غيره، إنما يمدون من ذلك المقام بمدد لا نهاية له إلى يوم القيامة بأكثر ما يزاد جميع البشر، ولكن أولئك يحمل خوفهم قواهم، ويثبت بمشاهدة وصف المخوف خوفهم وصفاتهم، فلا يئودهم ولا يقتلهم، لأنهم يمدون بالقوى، ويعصمون من الموت، بحفظ آجالهم إلى وقتها في الآخر، على أن منهم من يطيش عقله ويتوله قلبه ومنهم من يصبح في تيهه، ومنهم من يتيه فلا يرد وجهه شيء إلى يوم القيامة، ومنهم من يفزع الفزعة فلا يرتد إليه طرفه، ولا يرجع إليه عقله إلى يوم الحشر، ومنهم من يصعق صعقة فلا يزال في صرخة واحدة إلى نفخ الصدور، وكثير منهم يصعقون عند سماع الكلام من الملك الجبار (حتى إذا فزع عن قلوبهم) سبأ: 23 سألوا الروحانيين من المقربين ذوي الحجب القريبة والرتب العلية، منهم جبريل وإسرافيل وميكائيل (ماذا قال ربكم) فهؤلاء الحاضرون من الناظرين والتمكنون من الشاهدين حجبة القدس أولو المحبة والأنس، قالوا: الحق وهو العليّ الكبير، فمثل هؤلاء الخائفني مثل المخلصين من المؤمنين الذين قال الله: (أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 398
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست