responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 393
وقال أيضًا الإخلاص فريضة لا تنال إلا بالخوف ولا ينال الخوف إلا بالزهد فقد صار الخوف يصلح للكافة إذ دخوله على العامة يخرجهم عن الحرام، ودخوله على الخاصة يدخلهم في الورع والزهد، لأن من خاف ترك، وقال أيضًا: من أحبّ أن يرى خوف الله تعالى في قلبه فلا يأكل إلا حلالاً ولا يصلح علم الرجاء إلا للخائف، وقال: الخوف ذكر والمحبة أنثى، ألا ترى أن أكثر النساء يدعون المحبة يريد بهذا أن فضل الخوف على الرجاء كفضل الذكر على الأنثى؛ وهذا كما قال لأن الخوف حال العلماء، والرجاء حال العمّال، وفضل العالم على العابد كفضل القمر على الكواكب.
وروينا عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فضل من علم أحبّ إليّ من فضل من عمل، وخير دينكم الورع واعلم أن الخوف عند العلماء على غير ما يتصوّر في أوهام العامة وخلاف ما يعدّونه من القلق والاحتراق أو الوله والانزعاج لأن هذه خطرات وأحوال ومواجيد للوالهين وليست من حقيقة العلم في شيء، بمنزلة مواجيد بعض الصوفية من العارفين في أحوال المحبة، من احتراقهم وولههم.
والخوف عند العلماء إنما هو اسم لصحيح العلم وصدق المشاهدة، فإذا أعطى عبد حقيقة العلم وصدق اليقين سمي هذا خائفاً، فلذلك كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أخوف الخلق، لأنه كان على حقيقة العلم ومن أشدهم حباً لله تعالى، لأنه كان في نهاية القرب، وقد كان حالة السكينة والوقار في المقامين معاً، والتمكين والتثبيت في الأحوال كلها، ولم يكن وصفه القلق والانزعاج، ولا الوله والاستهتار، وقد أعطي أضعاف عقول الخليقة وعلومهم، ووسع قلبه لهم، وشرح صدره للصبر عليهم.
فكان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مع الأعرابي كأنه أعرابي، ومع الصبي بمعناه، ومع المرأة في نحوها، يقاربهم في علومهم، ويخاطبهم بعقولهم، ويظهر منه مثل وجدهم، ليعطيهم نصيبهم من الأنس به، ويوفيهم حقوقهم من الدرك منه، ولئلا تعظم هيبته في صدورهم، فينقطعون عن السؤال له والأنس به حكمة منه، لا يفطنون لها ورحمة منه قد جبل عليها، قد ألبس مواجيدهم لبسة، وأدخل ذلك عليه صبغة، بغير تكلف ولا تصنع، تعلم ذلك من الحكيم العليم، فلذلك وصفه عزّ وجلّ بخلقه، وتعجب من وصفه فقال تعالى: (وإنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظيمٍ) القلم: 4 قيل على أخلاق الربوبية، وقرئت بالإضافة ليكون عظم اسم الله سبحانه لا يظهر من حاله ونصيبه شيئاً لقوة التمكين وفضل العقلاء ولا يبخس من نصيبهم منه شيئاً لحقيقة العدل، ولا يتظاهر بشيء لحقيقة الزهد ونهاية الخشوع والتواضع، ولا يظهر عليه شيء لمكانة القوة ورسوخ العلم والحكمة، وعلى منهاجه وسنته وصف العارفين من أهل البلاء الذين هم الأمثل فالأمثل بالأنبياء.
وقال بعض أهل المعرفة: من طالب الخلق بعلمه وخاطبهم بعقله، فقد بخسهم

اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي    الجزء : 1  صفحة : 393
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست