اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 391
فدقائق النفاق وخفايا الشرك عن نقصان التوحيد وضعف اليقين أوجبت المخاوف على المؤمنين خشية مقت الله تعالى، وخوف حبوط الأعمال.
من ذلك كان ابن مسعود رضي الله عنه يقول: إن الرجل ليخرج من منزله ومعه دينه فيرجع إلى منزله وليس معه من دينه شيء، يلقى الرجل فيقول: إنك لذيت وذيت ويلقى الآخر فيقول لأنت وأنت، ولعله لا يخلى منه بشيء، وقد سخط الله تعالى عليه، يعني به التزكية لما لا يعلم، والمدح لمن يستحق الذم، واختلاف قلبه ولسانه، ففي هذا مقت من الله تعالى.
وفوق هذه المخاوف سلب الإيمان الذي هو عندك في خزانة المؤمن، يظهره كيف شاء، ويأخذه متى شاء، لا يدري أهبة وهبه لك فيبقيه عليك لكرمه؟ أو وديعة وعارية أودعك إياه وأعارك هو؟ فيأخذه إذا لا محالة لعدله وحكمته، وقد أخفى عنك حقيقة ذلك، واستأثر بعاقبته.
وقال بعض العارفين: إنما قطع بالقوم عند الوصول مع الخاتمة: وقال آخر: واخطراه كما قال أبو الدرداء وحلف: ما أحد أمن من أن يسلب إيمانه إلا سلبه، أفرأيت الوقت الذي قال حذيفة: يأتي على القلب ساعة فيمتلئ نفاقاً حتى لا يكون فيه للإيمان مغرز إبرة، إن صادف الموت ذلك الوقت وكان هو آخر وقت، أليس تخرج روحه على النفاق، وكذلك تقليبات القلوب في معاني الشرك وتلويحات الشك إن وافق وقت الوفاة كان خاتمته عند لقاء مولاه، وإنما سميت الخاتمة لأنها آخر عمله وآخر ساعة من العمر، وخاتم الشيء آخره ومن ذلك قوله تعالى: (وَخَاتَمَ النَّبِييِّنَ) الأحزاب: 40 أي آخرهم، ومثله: (خِتَامُه مِسْكٌ) المطففين: 26 وخاتمه مسك أي آخر الكأس، بدلاً من الثفل يكون مسكاً.
ومن المخاوف خوف قطع المزيد من علم الإيمان مع بقية المعرفة المبتدأة ليكون مستدرجاً بها كما قال بعض العلماء: إن الله تبارك وتعالى إذا أعطى عبدًا معرفة فلم يعامله بها لم يسلبه تلك المعرفة ولكن بقاؤها فيه حجة عليه ليحاسبه على قدرها وإنما يقطع عنه المزيد وقد يقسى قلبه وتجري عينه وذلك من النقصان الذي لا يعرفه إلا أهل التمام لأنه يمنعه منه ما ينفعه عنده ويعطيه ما يغترّ به ويفتتن عند الخلق لأن عين الوجه من الملك للدنيا وعين القلب من الملكوت للآخرة وقال مالك ابن دينار: قرأت في التوراة: إذا استكمل العبد النفاق ملك عينيه فيبكي متى شاء وقد كانوا يستعيذون بالله عزّ وجلّ من بكاء النفاق وهو أن يفتح للعبد ألوان البكاء ويغلق عنه باب الذل والخشوع.
وقد قال الله عزّ وجلّ: (وَجَاءُوا أَباهُمْ عِشَاءً يَبْكُونَ) يوسف: 16 وكان السلف أيضًا يقولون: استعيذوا بالله من خشوع النفاق قيل: وما هو؟ قال: أن تبكي العين والقلب قاس فلأن يعطي الإنسان رقة القلب في جمود عين خير من أن يعطي دموع عين في قسوة قلب،
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 391