اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 139
الرجل يقدمك على الأشياخ ويكرمك فاحفظ عني هذه الخصال لا تفشين له سرّاً ولا تعصين له أمراً ولاتغتابنّ عنده أحداً ولا يطلعن منك على خيانة ولا يجربن عليك كذبة، هذا في روايتين دخلت إحداهما في الأخرى قال في إحداهما: قلت للشعبي: كل واحدة منهن خير من ألف، فقال كل واحدة منهن خير من عشرة آلاف، وقال يوسف بن أسباط: كان يقال ثلاث من كنّ فيه فقد استكمل إيمانه من إذا رضي لم يخرج رضاه إلى باطل وإذا غضب لم يخرج غضبه عن حق وإذا قدر لم يأخذ ماليس له، وقد روينا مسنداً من طريق، وقال سري بن المغلس: ثلاث يستبين بهن اليقين، القيام بالحق في مواطن الهلكة، والتسليم لأمر اللَّه عزّ وجلّ عند نزول البلاء، والرضا بالقضاء عند زوال النعمة نعوذ باللَّه منه، وقد روينا عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث من كنّ فيه استكمل إيمانه لا يخاف في اللَّه لومة لائم ولا يرائي بشيء من عمله، وإذا عرض عليه أمران: أحدهما للدنيا والآخر للآخرة آثر الآخرة على الدنيا، وفي الخبر المشهورثلاث منجيات وثلاث مهلكات، فأما المنجيات فخشية اللَّه في السر والعلانية وكلمة العدل في الرضا والغضب والقصد في الغنى والفقر وأما المهلكات فشح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه، وروينا في الخبر التكرم التقوى والشرف التواضع والغنى اليقين، وفي الحديث الآخر: الإيمان عريان ولباسه التقوى وزينته الحياء وثمرته العلم، وفي حديث عمار أسنده إلى رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كفى بالموت واعظاً وكفى بالخشية علماً وكفى باليقين غنى وكفى بالعبادة شغلاً.
روينا عن رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سيد الخطباء وخطيب الخطباء وحكيم الحكماء في خطبة الوداع كلمات جامعات موجزات في الوعظ والتذكرة والتزهد والتبصرة وينتظم جميع معاني ما قيل في معناها رواه أبان بن عياش عن أنس بن مالك أن رسول اللَّه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خطب على ناقته فقال: يا أيها الناس كأن الموت فيها على غيرنا كتب وكأن الحق فيها على غيرنا وجب وكأن من نشيع من الأموات سفر عما قليل إلينا راجعون نبوّئهم أجداثهم ونأكل تراثهم كأنّا مخلدون بعدهم قد نسينا كل واعظة وأمنا كل جائحة، طوبى لمن شغله عيب نفسه عن عيوب الناس وأنفق من مال اكتسبه من غير معصية ورحم أهل الذل والمسكنة وخالط أهل الفقه والحكمة، طوبى لمن أذل نفسه وحسنت خليقته وصلحت سريرته وعزل عن الناس شرّه، طوبى لمن عمل بعلمه وأنفق الفضل من ماله وأمسك الفضل من قوله ووسعته السنة ولم يعدها إلى بدعة، وقد روي عنه صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديث جامع لهذه المعاني المبثوثة مختصر في اللفظ والمعنى يقال إنه نصف العلم وهو قوله من حسن إسلام المرء تركه ما لايعنيه، وما لم يؤمر به
اسم الکتاب : قوت القلوب في معاملة المحبوب ووصف طريق المريد إلى مقام التوحيد المؤلف : أبو طالب المكي الجزء : 1 صفحة : 139