وكما أنَّ أسباب الحمد وموجباته متنوِّعةٌ متعدِّدةٌ، فكذلك الحمدُ تنوَّع بتنوّعها وكثُرَ بكثرتها، وقد فصَّل ابن القيّم رحمه الله الحديث عن هذا النوع في كتابه "طريق الهجرتين"، وذكر رحمه الله أنَّ هذا النوع من الحمد حمد النِّعم والآلاء مشهودٌ للخليقة برِّها وفاجرِها، مؤمنِها وكافرِها من جزيل مواهبه، وسعة عطاياه، وكريم أياديه، وجميل صنائعه، وحسن معاملته لعباده، وسعة رحمته لهم، وبرّه ولطفه وحنانه وإجابته لدعوات المضطرّين، وكشف كربات المكروبين، وإغاثة الملهوفين، ورحمته للعالمين، وابتدائه بالنعم قبل السؤال ومن غير استحقاق، بل ابتداءً منه بمجرّد فضله وكرمه وإحسانه، ودفع المِحن والبلايا بعد انعقاد أسبابها، وصرفها بعد وقوعها، ولطفه تعالى في ذلك إلى ما لا تبلغه الآمال، وهداية خاصّته وعباده إلى سبيل دار السلام، ومدافعته عنهم أحسن الدفاع، وحمايتهم عن مراتع الآثام، وحبّب إليهم الإيمان وزيّنه في قلوبهم، وكرَّه إليهم الكفر والفسوق والعصيان وجعلهم من الراشدين، وكتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه، وسمّاهم المسلمين مِن قبل أن يخلقهم، وذكرهم قبل أن يذكروه، وأعطاهم قبل أن يسألوه، وتحبّب إليهم بنعمه مع غناه، وتبغضّهم إليه بالمعاصي وفقرهم إليه، ومع هذا كلِّه فاتّخذ لهم داراً، وأعدّ لهم فيها من كلِّ ما تشتهيه الأنفسُ وتلَذُّ الأعين، وملأها من جميع الخيرات، وأودعها من النَّعيم والحَبرة والسرور والبهجة ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم أرسل إليهم الرّسل يدعونهم إليها،