اسم الکتاب : علم الأخلاق الإسلامية المؤلف : مقداد يالجن الجزء : 1 صفحة : 360
أما في غير هذه الظروف الاستثنائية فيجب الاختلاط؛ لأن الاختلاط فضيلة إنسانية وهو ضرورة لتكامل الإنسان وتفادي كثير من الأضرار الناتجة عن العزلة ولهذا قال الرسول -صلى الله عليه وسلم: "المسلم إذا كان مخالطا الناس ويصبر على أذاهم خير من المسلم الذي لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم" [1]. وقال: "المؤمن إلف مألوف، ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف وخير الناس أنفعهم للناس" [2].
وقد ذكر الغزالي كثيرا من فوائد المخالطة منها التعليم والتعلم، والنفع والانتفاع والتأديب والتأدب، والاستئناس والإيناس والتجارب، وذكر كثيرا من مضار العزلة النفسية والخلقية فيقول مثلا: "إن الإنسان بالمخالطة يجرب نفسه وأخلاقه وصفات باطنه وذلك لا يقدر عليه في الخلوة.. فالصبي إذا اعتزل بقي غرا جاهلا[3].. وكل غضوب أو حقود أو حسود إذا خلا بنفسه لم ينشرح منه خبثه وهذه الصفات مهلكات في أنفسها يجب إماطتها وقهرها ولا يكفي تسكينها بالتباعد عما يحاكيها. فمثال القلب المشحون بهذه الخبائث مثل دُمَّل ممتلئ بالصديد والمُدة وقد لا يحس صاحبه بألمه ما لم يتحرك أو يمسه غيره فإن لم يكن له يد تمسه أو عين تبصر صورته ولم يكن معه من يحركه ربما ظن بنفسه السلامة ولم يشعر بالدمل في نفسه واعتقد فقده. ولكنه لو حركه محرك أو أصابه مشرط حجام لانفجر منه الصديد وفار فوران الشيء المختنق إذا حبس عن الاسترسال، فكذلك القلب المشحون بالحقد والبخل والحسد والغضب وسائر الأخلاق [1] التاج جـ 5 ص 51. [2] كشف الخفاء ومزيل الإلباس جـ 2 ص 408. [3] ينبغي أن ننبه هنا إلى أن الاختلاط يجب أن يكون مع أصحاب الخلق وخاصة بالنسبة إلى الأولاد؛ لأن الاختلاط بالناس الفاسدين من أهم أسباب الفساد الخلقي.
اسم الکتاب : علم الأخلاق الإسلامية المؤلف : مقداد يالجن الجزء : 1 صفحة : 360