اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 87
فروي عن بعض القدماء أنه قال لرجل: يا أبا الوليد! إن كنت أبا الوليد! يتورع أن يكنيه ولا ولد له! ولو أوغل هذا في العلم، لعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كَنَّى صهيبًا أبا يحيى[1]، وكنَّى طفلًا [فقال] : "يا أبا عُمَيْرٍ! ما فَعَلَ النُّغَيْرُ؟ " [2].
213- وقال بعض المتزهدين: قيل لي يومًا: كل من هذا اللبن! فقلت: هذا يضرني. ثم وقفت بعد مدة عند الكعبة، فقلت: اللهم! إنك تعلم أني ما أشركت بك طرفة عين. فهتف بي هاتف: ولا يوم اللبن؟!
وهذا لو صح؛ جاز أن يكون تأديبًا له؛ لئلا يقف مع الأسباب ناسيًا للمسبب، وإلا، فالرسول صلى الله عليه وسلم قد قال: "ما زالت أكلة خيبر تعاودني حتى الآن قطعت أبهري" [3]، وقال: "ما نفعني مال كمال أبي بكر" [4].
214- ومن المتزهدين أقوام يرون التوكل قطع الأسباب كلها، وهذا جهل بالعلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل الغار[5]، وشاور الطبيب[6]، ولبس الدرع[7]، وحفر الخندق[8]، ودخل مكة في جوار المطعم بن عدي، وكان كافرًا[9]، وقال لسعد: "لأن تدع ورثتك أغنياء خير لك من أن تدعهم عالة يتكففون الناس".
فالوقوف مع الأسباب مع نسيان المسبب غلط، والعمل على الأسباب مع تعلق القلب بالمسبب هو المشروع، وكل هذه الظلمات إنما تقطع بمصباح العلم، ولقد ضل من مشى في ظلمة الجهل، أو في زقاق الهوى. [1] رواه الحاكم "3/ 398-400" عن أنس وصهيب رضي الله عنهما. [2] رواه البخاري "6129"، ومسلم "2150" عن أنس رضي الله عنه. والنغير طائر يشبه العصفور أحمر المنقار. [3] رواه البخاري "4428" عن عائشة رضي الله عنها. [4] رواه الترمذي "3661"، وأحمد "2/ 253-366"، وابن ماجة "94"، وابن حبان "2166و 6858" عن أبي هريرة رضي الله عنه. [5] رواه البخاري "3905" عن عائشة رضي الله عنها. [6] عن جابر قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيبًا، فقطع منه عرقًا، ثم كواه عليه، رواه مسلم "2207". [7] قال الهيثمي في المجمع "6/ 108": رواه أبو يعلى، ورجاله رجال الصحيح. [8] رواه البخاري "4101-4104"، ومسلم "1803" عن البراء رضي الله عنه. [9] ذكره ابن هشام في السيرة ص "334".
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 87