اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 81
التي تقيمها، فلا بد من إعطائها ما يقيمها، وأكثر ذلك أو كله مما تشتهيه، ونحن كالوكلاء في حفظها؛ لأنها ليست لنا، بل هي وديعة عندنا، فمنعها حقوقها على الإطلاق خطر.
ثم رب شَدٍّ أوجب استرخاء، ورب مضيق على نفسه فرت منه، فصعب عليه تلافيها؛ وإنما الجهاد لها كجهاد المريض العاقل، يحملها على مكروهها في تناول ما ترجو به العافية، ويذوب في المرارة قليلًا من الحلاوة، ويتناول من الأغذية مقدار ما يصفه الطبيب، ولا تحمله شهوته على موافقة غرضها من مطعم ربما جر جوعًا، ومن لقمه ربما حرمت لقمات.
203- فكذلك المؤمن العاقل، لا يترك لجامها، ولايهمل مقودها، بل يرخي لها في وقت، والطول[1] بيده، فما دامت على الجادة، لم يضايقها في التضييق عليها، فإذا رآها قد مالت، ردها باللطف، فإن ونت[2] وأبت، فبالعنف[3]، ويحسبها[4] في مقام المداراة كالزوجة، التي مبنى عقلها على الضعف والقلة، فهي تداري عند نشوزها[5] بالوعظ، فإن لم تصلح، فبالهجر، فإن لم تستقم، فبالضرب[6]، وليس في سياط التأديب أجود من سوط عزم[7].
204- هذه مجاهدة من حيث العمل، فأما من حيث وعظها وتأنيبها، فينبغي لمن رآها تسكن للخلق، وتتعرض بالدناءة من الأخلاق أن يعرفها تعظيم خالقها لها، فيقول: ألست التي قال فيك: خلقتك بيدي، وأسجدت لك ملائكتي، وارتضاك [1] الطول: كعنب: الرسن أو الزمام الذي تربط به قائة الدابة في المرعى، ويربط طرفه الثاني بوتد ونحوه. [2] ونت: قصرت وضعفت. [3] في الأصل: وإلا فبالعنف. [4] ويحسبها: أي النفس، وفي الأصل: يحبسها، وهو تصحيف. [5] نشوزها: عصيانها. [6] ترك الضرب من مكارم الأخلاق، ومن شمائل النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان ولا بد فيجب أن يتيقن أن الضرب رادع، وأن يتجنب الوجه والأعضاء الحساسة، وأن لا يكون مؤذيًا، وأن لا يترك أثرًا، وإلا لم يجز. [7] سوط العزم:أن يهدد بالضرب ولا يضرب، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "علقوا السوط حيث يراه أهل البيت، فإنه أدب لهم".
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 81