اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 72
مالت بالقلب والعقل والذهن، فلا يكاد "المرء" ينتفع بشيء من النصح[1]! فصحت بها يومًا، وقد مالت بكليتها إلى شهوة: ويحك! قفي لحظة، أكلمك كلمات، ثم افعلي ما بدا لك! قالت: قل، أسمع. قلت: قد تقرر قلة ميلك إلى المباحات من الشهوات، وأما جل ميلك، فإلى[2] المحرمات، وأنا أكشف لك عن الأمرين، فربما رأيت الحلوين مرين:
أما المباحات من الشهوات، فمطلقة لك، ولكن طريقها صعب: لأن المال قد يعجز عنها، والكسب قد لا يحصل معظمها، والوقت الشريف يذهب بذلك، ثم شغل القلب بها وقت التحصيل، وفي حالة الحصول، ويحذر[3] الفوات، ثم ينغصها من النقص ما لا يخفى على مميز: إن كان مطعمًا، فالشبع يحدث آفات، وإن كان شخصًا، فالملل أو الفراق أو سوء الخلق، ثم ألذ النكاح أكثرة إيهانًا[4] للبدن، إلى غير ذلك مما يطول شرحه.
وأما المحرمات، فتشتمل على ما أشرنا إليه من المباحات، وتزيد عليها بأنها آفة العرض، ومظنة[5] عقاب الدنيا وفضيحتها، و [هناك] وعيد الآخرة، ثم الجزع كلما ذكرها التائب.
179- وفي قوة قهر الهوى لذة تزيد على كل لذة، ألا ترى إلى كل مغلوب بالهوى كيف يكون ذليلًا؛ لأنه قهر، بخلاف غالب الهوى؛ فإنه يكون قوي القلب عزيزًا؛ لأنه قهر؟!
180- فالحذر الحذر من رؤية المشتهى بعين الحسن، كما يرى اللص لذة أخذ المال من الحرز[6]، ولا يرى بعين فكره القطع[7]! وليفتح عين البصيرة، لتأمل العواقب، واستحالة اللذة نغصة، وانقلابها عن كونها لذة، إما لملل، أو لغيرة من الآفات، أو لانقطاعها بامتناع الحبيب، فتكون المعصية الأولى كلقمة تناولها جائع، [1] في الأصل: البدن. [2] في الأصل: إلى. [3] في الأصل: وبحذر. [4] إيهانًا: ضعفًا. [5] في الأصل: خوف. [6] الحرز: الموضع الحصين. [7] القطع: قطع اليد.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 72