اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 495
مرتبتين حسنتين: وكان عبد الحميد القاضي[1] لا يحابي، فبعث إلى المعتضد، وقال له: قد استأجرت وقوفًا: فأد أجرتها! ففعل، وقال له المعتضد: قد مات فلان، ولنا عليه مال. فقال: أنت تذكر لما وليتني، قلت لي: قد أخرجت هذا الأمر من عنقي ووضعته في عنقك. ولا أقبل هذا الذي تقول إلا بشاهدين.
1655- وكذلك كان الشهود: دخل جماعة على بعض الخلفاء؛ فقال الخادم: اشهدوا على مولانا بكذا! فشهدوا، فتقدم المجذوعي إلى الستر، فقال: يا أمير المؤمنين! أشهد عليك بما في هذا الكتاب؟ فقال: اشهد! قال: إنه لا يكفي في ذلك، لا أشهد حتى تقول: نعم. قال: نعم.
1656- فأما في زماننا، فتغيرت تلك القواعد من الكل، خصوصًا من يتقرب إليه بالمال ليتشهد، فتراه يسحب ليشهد على ما لا يرى! قال لي أبو المعالي بن شافع[2]: كنت أحمل إلى بعض أهل السواد وهو محبوس، وأشهد عليه، وأعلم أنه لولا أنه مكره؛ لجاء إلي بقدميه، وأنا أستغفر الله من ذلك.
1657- وليس للشهود جراية[3] فيحملون ذلك لأجلها؛ وإنما الذي يحصل جر الطيلسان، وطرق الباب، وقول المعرف: حرس الله نعمتك، شهادة!
1658- ولما قيل لإبراهيم النخعي: تكون قاضيًا! لبس قميصًا أحمر، وجلس في السوق، فقالوا: هذا لا يصلح!
1659- ودخل بعض الكبار على الرشيد، وقد أحضره ليوليه القضاء، فسلم وقال له: كيف أنت، وكيف الصبيان؟ فقيل: هذا مجنون! فيا لله! جنون هو العقل. وما أظن الإيمان بالآخرة إلا متزلزلًا في أكثر القلوب. نسأل الله سبحانه سلامةً للدين؛ فإنه قادر. [1] أبو خازم عبد الحميد بن عبد العزيز البغدادي المعدل، عالم ورع، توفي سنة "292هـ". [2] أحمد بن صالح بن شافع الجيلي "520-565هـ" الإمام محدث بغداد. [3] الجراية: مال أو طعام يعطى لمستحقه يوميًّا أو شهريًّا.
اسم الکتاب : صيد الخاطر المؤلف : ابن الجوزي الجزء : 1 صفحة : 495